[علاقة التعسف في استعمال الحق بقاعدة مراعاة الخلاف في المذهب المالكي]
ـ[أبو حاتم يوسف حميتو المالكي]ــــــــ[10 - 04 - 10, 10:34 م]ـ
الحمد لله ثم الحمد لله ثم الحمد لله، حمدا يليق بجلال وجهه وعظيم سلطانه، والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين:
أما بعد:
فيقول الإمام أبو العباس أحمد بن أبي كف الولاتي الشنقيطي المالكي رحمه الله (1330 هـ) في نظم: " ايصال السالك في أصول الإمام مالك " ص: 5:
أدلة المذهب مذهب الأغر **** مالك الإمام ستة عشر
نص الكتاب والظاهر من **** سنة من بالفضل كله قمن
ثم الدليل من كتاب الله **** ثم دليل سنة الأواه
ومن أصوله التي بها يقول **** تنبيه قرءان وسنة الرسول
وحجة لديه مفهوم الكتاب **** من سنة الهادي إلى نهج الصواب
ثمت تنبيه كتاب الله ثم **** تنبيه سنة الذي جاها عظم
ثمت إجماع وقيس وعمل ****مدينة الرسول أسخى من بذل
وقول صحبه والاستحسان **** وهو اقتفاء ما له رجحان
وقيل بل هو دليل ينقذف **** في نفس من بالاجتهاد متصف
ولكن التعبير عنه يقصر **** عنه فلا يعلم كيف يعبر
وسد أبواب ذرائع الفساد **** فمالك له على ذه اعتماد
وحجة لديه الاستصحاب **** ورأيه في ذلك لا يعاب
وخبر الواحد حجة لديه **** بعض فروع الفقه تنبني عليه
وبالمصالح عنيت المرسلة **** له احتجاج حفظته النقلة
ورعي خلف كان طورا يعمل **** به وعنه كان طورا يعدل
هذه هي مجمل الأدلة التي يستند إليها المذهب المالكي في تعامله مع الوقائع، وإن تعددت الأقوال في عددها بين مكثر فيها ومقل بين المالكية أنفسهم، فقد نقل ابن هلال في نوازله عن الإمام أبي بكر بن العربي المعافري الإشبيلي رحمه الله دفين فاس (543 هـ) أنها عشرة (ص: 8)، في حين أن القاضي أبا الفضل عياضي بن موسى اليحصبي السبتي رحمه الله صاحب ترتيب المدارك لم يتجاوز بها الأدلة الأربعة، وأقصد بها الكتاب والسنة والإجماع والقياس، بينما يذهب الإمام أبو العباس أحمد بن ادريس القرافي (648 هـ) في شرح تنقيح الفصول إلى أنها بلغت تسعة عشر أصلا وهي: الكتاب والسنة وإجماع الأمة، وإجماع أهل المدينة، والقياس، وقول الصحابي، والمصلحة المرسلة، والاستصحاب، والبراءة الأصلية، والعوائد، والاستقراء، وسد الذرائع، ولاستدلال، والاستحسان، والأخذ بالأخف، والعصمة، وإجماع أهل الكوفة، وإجماع العترة، وإجماع الخلفاء الأربعة. (445)، وإن كان القرافي رحمه الله قد غالى في عددها فإنه أدرج بينها أصولا لا يقول بها المالكية ولا يعملون بها كإجماع العترة والعصمة، وقد احتج الدكتور محمد الأمين ولد محمد سالم بن الشيخ في كتابه: " مراعاة الخلاف في المذهب المالكي وعلاقتها ببعض اصول المذهب وقواعده "للإمام القرافي بأن قال: " ... لذلك فإننا نرى أن القرافي هنا لم يرد عد أصول المالكية، وإنما أراد ذكر مجمل الأصول التي أخذ بها أصحاب المذاهب حتى وإن كانت تلك المذاهب شاذة ". (72).
ولكن الراجح المعتبر في ما ذهب إليه القرافي رحمه الله هو أن مجمل الأدلة أربعة عشر دليلا إذا ما حذفنا الخمسة الأخيرة، وهو الحد الأدنى المتفق عليه بين عدد كبير من أئمة المذهب رحمهم الله.
والذي عليه متأخرو المالكية أن أدلة المذهب بعد الاستقراء والمقارنة هس ستة عشر دليلا، وهي التي ذكرها الإمام بن أبي كف في منظومته، واختارها الشيخ حسن بن محمد المشاط رحمه الله (1339 هـ) في كتابه الموسوم ب: "الجواهر الثمينة في أدلة عالم المدينة " ص: 115، وهذه الأدلة كما هي مذكورة: الكتاب والسنة والإجماع والقياس، وعمل أهل المدينة، وقول الصحابي والاستحسان والمصالح المرسلة والاستصحاب وسد الذرائع والعرف والعوائد ومراعاة الخلاف. فنرى أن هؤلاء الأئمة قد نحوا منحى الإمام القباب واللإمام ابن عرفة الورغمي رحمه الله والإمام الشاطبي رحمه الله تعالى في اعتبار مراعاة الخلاف أصلا من أصول مذهب مالك رحمه الله تعالى وهو ما عبر عنه الإمام بقوله:
ورعي خلف كان طورا يعمل **** به وعنه كان طورا يعدل
، في حين أن عددا آخر من أعلام المذهب لم يروا فيه حجية أصلا، كالإمام أبي عمر يوسف بن عبد البر، ولقاضي عياض رحمهما الله تعالى.
¥