تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[ظاهرة الجرأة على الفتوى واعتلاء العواصف]

ـ[أبو مالك السعيد العيسوي]ــــــــ[17 - 07 - 10, 12:02 م]ـ

المتأمل لحركة الفقه الإسلامي من الناحية العلمية وحركة الافتاء الإسلامي, ثم يعقد مقارنة بين حال الماضين وعلومهم ومآثرهم ومصنفاتهم يجد البون الشاسع والفرق الواسع بينهم وبين من أتى بعدهم, فقد علا الأسلاف رحمهم الله تعالى بصون الشريعة وصون أنفسهم عن ابتذال العلم الشرعي والخوض فيما لا يحسنون, «وأجمعوا على أنه لا يحل لمن شدا شيئاً من العلم أن يفتي» (1). وقدموا أعظم برهان على فضلهم وورعهم, وأنهم لا يخوضون فيما لا علم لهم به ما فرح به المؤمنون, وسطَّره العلماء, واقتفى أثره المتفقهون.

وإنه في هذه الأزمان ظهر المتجرؤون على الفتيا, والراكبون ظهور العاصفة, ظنوا العاصفة ترفعهم ونسوا انها قاصفة تُردي!! , فنفثوا الفتاوى, ونشروا الفوضى, وأظهروا كل عوراء وعرجا من شاذ الفتاوى ومستنكر الأقوال. وراحوا يبعثون الأقوال المهجورة والأوابد, ويتتبعون الرُّخص, ومن تتبع الرُّخص اجتمع فيه الشَّر كلُّه ... فمن مستبيح للاختلاط, ومن قائل بجواز بقاء المرأة على عصمة زوجها الكتابي إذا أسلمت وبقي على دينه, ومن محلل للغناء, ومن مطالب بعدم غلق المحلات التجارية للصلوات ... الخ.

يقول ابن القيم رحمه الله تعالى:

"وإذا كان منصب التوقيع عن الملوك بالمحل الذي لا ينكر فضله ولا يجهل قدره وهو من أعلى المراتب السنيات فكيف بمنصب التوقيع عن رب الأرض والسموات!! فحقيق بمن أقيم في هذا المنصب أن يعدَّ له عدته, وأن يتأهب له أهبته, وأن يعلم قدر المقام الذي أقيم فيه ولا يكون في صدره حرج من قول الحق والصَّدع به, فإنَّ الله ناصره وهاديه, وكيف وهو المنصب الذي تولاه بنفسه رب الأرباب, فقال تعالى: {وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الكِتَابِ} [النساء:127] وكفى بما تولاه الله تعالى بنفسه شرفا وجلالة إذ يقول في كتابه: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الكَلالَةِ} [النساء:176] وليعلم المفتي عمن ينوب في فتواه وليوقن أنه مسئول غدا وموقوف بين يدي الله" (2). وهؤلاء يلزم ذكر ابن عابدين رحمه الله في "رسم المفتي" فيمن يفتي وهو غير أهل "فيلزمه إذا تسور هذا المنصب الشريف التعزير البليغ والزجر الشديد الزاجر ذلك لأمثاله عن هذا الأمر القبيح الذي يؤدي إلى مفاسد لا تحصى". (3)

خطورة الجرأة في إصدار الأحكام الشرعية:

إذا كانت الفتوى بيانٌ لأحكام الله تعالى، والمفتي في ذلك موقِّعٌ عن الله، فإن الجرأة والقول على الله تعالى بغير علم من أعظم المحرمات، لما فيه من افتراء على الله، وإغواء وإضلال للناس، وهو من كبائر الإثم. أما أنه من كبائر الإثم، فلقول الحق تبارك وتعالى: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الحَقِّ وَأَن تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَن تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ} [الأعراف: 33]. فقد قرن الله تعالى القول عليه بغير علم بالفواحش الظاهرة والباطنة، والإثم والبغي والشرك، للدلالة على عظم هذا الذنب، وقبح هذا الفعل.

قال ابن القيم: «وقد حرم الله سبحانه القول عليه بغير علم في الفتيا والقضاء، وجعله من أعظم المحرمات، بل جعله في المرتبة العليا منها، وبعد أن ساق الآية التي أوردناها قال: فرتب المحرمات أربع مراتب:

- بدأ بأسهلها وهو الفواحش.

- ثم ثنَّى بما هو أشد تحريماً منه وهو الإثم والظلم.

- ثم ثلَّث بما هو أعظم تحريماً منها وهو الشرك به سبحانه.

- ثم ربَّع بما هو أشد تحريماً من ذلك كله وهو القول عليه بلا علم، وهذا يعم القول عليه سبحانه بلا علم في أسمائه وصفاته وأفعاله، وفي دينه وشرعه.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير