تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[موقف الإمام مالك من معارضة القياس للسنة الأحادية]

ـ[يوسف الخطيب]ــــــــ[10 - 05 - 10, 11:45 ص]ـ

موقف الإمام مالك من معارضة القياس للسُّنة الأحادية

كتبت هذا ولخصته من كلام العلامة مولاي الحسين بن الحسن الحيان رحمه الله وذلك لما رأيت من متانة بحثه في ذلك، ونصرة للإمام مالك ومذهبه الذي أتبناه وأتعبد الله به.

وكنت قد لخصت من زمن من نفس الكتاب مسألة عمل أهل المدينة.

تنبثق فكرة هذا الفصل عن تعارض أصلين أساسيين هما: خبر الآحاد والقياس. وقد اشتهر- في معظم كتب الأصول- أن إمام دار الهجرة كان يُقدم القياس على خبر الآحاد متى تعارضا ولم يمكن الجمع بينهما. وأن ذلك خاص بمذهبه. ومعلوم أن مرتبة القياس- في الاحتجاج- متأخرة عن مرتبة السنة. فكيف ساغ لإمام دار الهجرة أن يُقدمه عليها؟

هذا ما دعاني إلى اختصار هذا الفصل لبحث هذه المسألة، وتحقيق مذهب مالك فيها.

المبحث الأول: تحديد المراد بالقياس هنا:

أ- القياس في اللغة:

يُطلق القياس في اللغة على معنيين:

أحدهما: التقدير: وهو قصد معرفة أحد الأمرين بالآخر.

وثانيهما: المساواة: وهي عبارة عن رد الشيء إلى نظيره.

ب- القياس في الاصطلاح:

يُطلق القياس في الاصطلاح؛ ويُراد منه عدة معان. يهمنا منها هنا معنيين فقط:

المعنى الأول: القياس الأصولي: وهو الأصل الرابع من أصول الأدلة بعد الكتب والسنة والإجماع. وهو الدليل المنتزع من الأصول. وهو أصل الرأي، وينبوع الفقه. ومنه تتشعب الفروع وعلم الخلاف.

وهو المقصود عند إطلاق لفظ القياس عند الفقهاء وأرباب الأصول.

وتعريفه: حمل معلوم على معلوم في إثبات حكم لهما. أو نفيه عنهما، بأمر جامع بينهما.

والقياس عند الجمهور حجة شرعية يجب العمل بها عند فقد النص؛ لتضافر الأدلة السمعية على ذلك. وإجماع الصحابة على العمل بمقتضاه في وقائع لا تُحصى.

المعنى الثاني: القياس بمعنى القواعد والأصول المقررة شرعاً:

والمراد ما تعاضدت عليه عمومات نصوص الكتاب والسنة. وشهد له كثير من الأدلة والفروع، حتى أصبح أصلاً وضابطاً تُعرض عليه المسائل الجزئية.

ويصدق هذا الضرب من القياس على بعض الاحكام الشرعية المستثناة من القواعد العامة للرفق والحاجة. مثل: السَّلم، والإجارة، والحوالة، والعرايا، والمساقاة، فتجد في كتب الفقه أن الإجارة وردت على خلاف القياس، .... أي على خلاف القاعدة العامة، فالإجارة خالفت قاعدة: الغرر، وبيع ما لم يُخلق. والعرايا خالفت قاعدة: المعروف المستثناة من المغابنة.

وقد نرى بعض المالكية يستعملون القياس في هذا المعنى- أي الأصل والقاعدة- كالإمام المازري وابن رشد الحفيد وأبو العباس القرطبي.

على أن اعتبار ورود هذه الأحكام – السَّلم والإجارة وما يُشبهها- على خلاف القياس، ليس محل اتفاق العلماء. بل هي في نظر البعض أصول بنفسها. وضعها رسول الله صلى الله عليه وسلم. فالحديث- في رأي هؤلاء- إذا ثبت صار أصلاً في نفسه، ووجب الحكم به، وإن كان مخالفاً لمعاني أصول سائر الأحكام.

فهذا الحافظ ابن عبد البر يقول في حديث التفليس: وهذه السنة أصلٌ في نفسها، فلا سبيل أن تُرد إلى غيرها، لأن الأصول لا تُقاس. وإنما تنقاس الفروع رداً على أصولها.

وهذا ما قرره أبو مظفر السمعاني في قواطع الأدلة، وابن العربي في أحكام القرآن.

وقد كتب في هذا الموضوع ابن تيمية فصولاً ممتعة، شدد فيها النكير على أرباب هذه المقالة.

هذا وإن التفريق بين المعنيين المذكورين للقياس لم يكن واضحاً في كتابات الأصوليين: المتقدمين منهم والمتأخرين. إلا كلاماً للمحقق البناني المالكي في تعليقه على قول المحلي- وهو يشرح كلام ابن السبكي في جمع الجوامع- فقال: هذا يقتضي أن المراد بالقياس: القاعدة والأصل.

وهذا يزكي القول باضطراب كلام الأصوليين في القياس المقدم عند مالك على أخبار الآحاد عند التعارض.

المبحث الثاني: متى تتحقق المعارضة بين خبر الآحاد والقياس؟

الإجابة على هذا السؤال تتوقف على تحرير محل النزاع بين العلماء في القياس الذي يقوى على معارضة الأخبار.

والواقع أن أقوالهم في تحرير موضع النزاع في هذه المسألة ينطوي على كثير من التضارب.

فأبو الحسين يرى أن القياس إن ثبتت علته بنص قطعي، قُدم على الخبر؛ لأن النص على العلة كالنص على حكمها، وهو مقطوع به. والخبر مظنون، فكانت مقدمة.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير