تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[قاعدة: يتحمل الضرر الخاص لدفع ضرر عام]

ـ[أبو عبد المحسن القحطاني]ــــــــ[03 - 06 - 10, 08:54 م]ـ

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد:

فإن علم القواعد الفقهية من العلوم الجليلة المهمة لطالب العلوم الشرعية، فهي تجمع أفراد المسائل صعبة الحصر في ألفاظ وجيزة ليستحضر العالم الحكم عند الحاجة إليه وليطرد في أحكامه ولا يتناقض إلى غير ذلك من الفوائد، يقول الشيخ عبد الرحمن السعدي في منظومته في القواعد الفقهية:

فاحرص على فهمك للقواعد جامعة المسائل الشوارد

لترتقي في العلم خير مرتقى وتقتفي سبل الذي قد وفقا

ومع أهمية هذا العلم، وشدة الحاجة إليه إلا أننا لم نعطه حقه ولم نقدره قدره، ولا أريد أن نتوسع فيه حتى نجعل هذه القواعد حاكمة على النصوص، ونهدم بها الدين بأن نحمل هذه القواعد ما لا تحتمل ونستند إلى عموم ألفاظها دون مراعاة الشروط والضوابط التي أهمها عدم مخالفة النص كما في قاعدة: "لا مساغ للاجتهاد في مورد النص" وهل هذه القواعد دليل بذاتها أو لا؟ مسألة خلاف ليس هذا محل بحثها فلتراجع لها مبسوطاتها.

فمن باب المشاركة في إشاعة هذه القواعد وتحريرها وربطها بالواقع فسأتحدث بإيجاز عن إحدى هذه القواعد، ولست بأهل لذلك ولا أحب للمبتدئين أمثالي أن يخوضوا في مثل هذا، لكنه إكراه معنوي غير ملجئ -إن صح التعبير-.

فمقالي سيكون عن قاعدة "يتحمل الضرر الخاص لدفع الضرر العام" وهي قاعدة متفرعة عن القاعدة الكبرى "لا ضرر ولا ضرار" فإن نفي الضرر يفيد إزالته بعد وقوعه على وجه لا تقع فيه المضارة، فإذا تعارض ضرران فإننا نلجأ إلى الترجيح على ما تنص عليه قاعدة "الضرر الأشد يزال بالضرر الأخف" وعلى ما يفهم من قاعدة "الضرر لا يزال بمثل" والضرر العام أشد من الضرر الخاص ولذا فإنه "يدفع بقدر الإمكان" ولو ترتب عليه حصول ضرر خاص.

فالقاعدة تعني أنه إذا تعارض ضرران أحدهما عام والآخر خاص، فإنا نرتكب الضرر الخاص لإزالة الضرر العام.

وهذا من محاسن الشرع وكماله، فإنه بهذا يحصل التكامل في المجتمع الإسلامي، وتندفع به الخصومات، وفيه تقرير لمعنى الإخوة الإسلامية والتكافل الاجتماعي، وبهذا يحصل الرقي والتطور والعيش الهانئ الذي يعين على عبادة الله للأمة بمجموعها لا لأفراد دون آخرين، وهذا ما عجزت عنه الأنظمة العالمية، فالرأسمالية قدمت مصلحة الفرد وأغفلت مصلحة الجماعة، والشيوعية بالعكس قدمت مصلحة الجماعة وألغت مصلحة الفرد، وكلاهما خبط ولذا لا تكاد تجد من يطبق أحدهما بحذافيره، بل يحاولون الجمع بينهما وما يفعلونه من محاولات للجمع بينهما هو خرم لأصل نظامهم الذي يسيرون عليه رأسماليًّا كان أو شيوعيًا، وكل هذا خبط سببه ((أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكمًا لقوم يوقنون)) فالخالق أعلم بمن خلق وما يصلحهم.

ويستدل لهذه القاعدة بما يستدل به على قاعدة "الضرر الأشد يزال بالضرر الأخف" لأن الضرر الخاص أخف من العام ومن ذلك صلح الحديبية وما فيه من الشروط التي فيها ضرر ظاهر على أفراد المسلمين المكيين حيث اشترط المشركون أن من جاء من أهل مكة يريد الإسلام فإنه يرد إليهم وهذا ضرر على هذا الشخص إذ فيه فتنة له وقد يرتد لكن هذا الضرر قابلته مصلحة أعظم وهو نشر الدعوة واستقرار المسلمين واستجماع قوتهم فارتكب الضرر الأخص وهو هذا الشرط لدفع الضرر العام وهو هزيمة المسلمين عمومًا وضعف شوكتهم.

ومما يستدل به على هذه القاعدة أيضًا قصة أبي ذر 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - عندما اختلف مع معاوية 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - في آية فكتب معاوية إلى عثمان 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - فاستدعى عثمان أبا ذر رضي الله عنهما فلما قدم المدينة كثر عليه الناس فأشار عليه عثمان 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - أن يترك المدينة، فانتقل أبو ذر إلى الربذة متحمّلاً الضرر الخاص وهو بعده عن المدينة والشام لإزالة الضرر العام وهو حصول الفتن التي تزعزع الأمن العام.

ويستدل لهذه القاعدة أيضًا بالقاعدة الكبرى وهي ((لا ضرر ولا ضرار)) خصوصًا أنها نص حديث وهو وإن كان فيه ضعف لكن يدل على معناه أصول كثيرة من القرآن والسنة، ووجه الدلالة منها ما تقدم في وجه تفريع هذه القاعدة منها.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير