مبحث الكتاب والسنّة من كتاب تيسير الوصول لأبي عبد الله حاج عيسى
ـ[العاصمي الجزائري]ــــــــ[06 - 04 - 10, 07:11 م]ـ
مبحث الكتاب والسنّة من كتاب تيسير الوصول لأبي عبد الله حاج عيسى
المبحث الأول: الكتاب
الكتاب هو القرآن الذي يعرف بأنه: (كلام الله تعالى المنزّل على محمّد صلى الله عليه وسلم، المعجز بنفسه، المتعبّد بتلاوته).
فالقرآن كلام الله تعالى لفظا ومعنى، وليس كل كلام الله تعالى قرآنا بل القرآن هو المنزّل على محمّد صلى الله عليه وسلم، وليس كل ما أوحى به إلى النّبي صلى الله عليه يعد قرآنا بل هو ذلك المعجز بلفظه ومعناه والمتعبّد بتلاوته، وبذلك تخرج الأحاديث القدسيّة، والآيات المنسوحة لفظا سواء بقي حكمها أم لا. ويتعلّق بهذا المبحث مسائل:
الأولى: القرآن نزل بلسان عربيّ مبين
قال تعالى: (وكذلك أوحينا إليك قرآنا عربيا لتنذر أمّ القرى ومن حولها) (الشورى 7)، وقال سبحانه: (ولقد نعلم أنّهم يقولون إنّما يعلّمه بشر، لسان الّذي يلحدون إليه أعجميّ وهذا لسان عربيّ مبين) (النحل: 103)، فالقرآن ألفاظه عربية وأساليبه عربية، فلا يجوز تفسير ألفاظه ولا فهم تراكيبه إلاّ بلسان العرب، ومنه كان العلم باللّغة العربية شرطا ضروريا من شروط الإجتهاد (9).
ومن أمثلة الخروج على اللسان العربي، استدلال بعضهم بقوله تعالى: (فانكحوا ما طاب لكم من النّساء مثنى وثلاث وربع) (النساء: 3) على جواز الجمع بين تسعة نساء، قال القرطبي: (لكن الله خاطب العرب بأفصح اللغات، والعرب لا تدع أن تقول تسعة وتقول اثنين وثلاثة وأربعة ... وإنّما الواو في هذا الموضع بدل أي أنكحوا ثلاثا بدلا من مثنى ورباع بدلا من ثلاث .. وأمّا قولهم إن مثنى تقتضي اثنين وثلاث ثلاثة و ربع أربعة فتحكم بما لا يوافقهم أهل اللسان عليه وجهالة منهم ((10).
الثانية: ليس في القرآن ما لا يعلم أحد معناه
قال تعالى: (كتب أنزلناه إليك مبارك ليدّبروا آياته وليتذكّر أولوا الألباب) (ص: 29) فالآيات كلّها أنزلت للتّدبّر لم يستثن منها شيئا، وذلك يدلّ على أنّه ليس في القرآن متشابه لا يعلم أحد معناه، ولا مجمل لم يأت بيانه، وكما حفظ الله تعالى ألفاظ القرآن فقد حفظ أيضا معانيه، وإن فات بعض الأمة علم ذلك فإنّه لا يجوز أن يفوت جميع الأمّة (11)، أمّا قوله تعالى: (وما يعلم تأويله إلاّ الله) (آل عمران: 7) فالمراد نفي العلم بحقيقته التي يؤول إليها، وليس نفي العلم بالمعنى والتفسير (12).
الثالثة: حجيّة القراءة الشاذّة
القراءة الشاذّة هي القراءة التي خرجت عن الرسم العثماني، ومحل النّزاع بين الأصوليين فيما صحّ سنده منها، وكان موافقا للسان العربي، والصّحيح في هذه القراءات أنّها حجّة، لأنّها وإن لم تكن قرآنا متعبّدا بتلاوته؛ فهي قرآن نسخ رسمه وبقي حكمه، وأقلّ أحوالها أن تنزّل منزلة السنّة، هذا مذهب أبي حنيفة وأحمد والشافعي في الصّحيح عنه (13).
ومن الفروع الفقهية التي تبنى على هذا الأصل: إيجاب الفدية على الشيخ الذي لا يطيق الصّوم استدلالا بقراءة
ابن عبّاس: (وعلى الّذين يطيقونه فدية طعام مسكين) كما هو مذهب أبي حنيفة وأحمد والشافعي (14)
المبحث الثاني: السنّة
المطلب الأول: تقسيمات السنّة النبوية
أول شيء نتعرض له هو بيان تقسيم السنة بعدة اعتبارات، وهي أمور اصطلاحية لكن ضرورية.
أولا: تقسيم السنّة باعتبار طريق نقلها
تنقسم السنّة باعتبار نقلها إلى: سنّة متواترة وسنّة مروية عن طريق الآحاد.
1 – سنّة الآحاد: هي الأحاديث التي تروى بالأسانيد، وثبوتها يحتاج إلى نظر في رواتها واتّصالها.
2 – السنّة المتواترة: وهي ما رواه الكافّة عن الكّافة عن النبيّ صلى الله عليه وسلم لا يختلفون فيه، ويستغنى فيها عن الإسناد. ومن أمثلتها ما ذكره الشّافعي رحمه الله في قوله: (وعلم أنّ يوم الجمعة اليوم الذي بين الخميس والسبت من العلم الذي يعلمه الجماعة عن الجماعة عن النبيّ صلى الله عليه وسلّم وجماعات من بعده من المسلمين، كما نقلوا الظّهر أربعا والمغرب ثلاثا) (15). ومثالها قول النبيّ صلى الله عليه وسلّم يوم الفتح: (لا وصيّة لوارث) ذكر ذلك الشافعي رحمه الله تعالى (16).
¥