- مسلك ابن دقيق العيد: وقد أجاب عن الإشكال الواقع في أفعال الصلاة بثلاثة أجوبة , أنقلها بنصها حيث يقول " الخطاب المجمل يتبين بأول الأفعال وقوعا , فإذا تبين بذلك الفعل لم يكن ما وقع بعده بيانا لوقوع البيان بالأول , فيبقى فعلا مجردا لا يدل على الوجوب؛ اللهم إلا أن يدل دليل على وقوع ذلك الفعل المستدل به بيانا , فيتوقف الاستدلال بهذه الطريقة على وجود ذلك الدليل. بل قد يقوم الدليل على خلافه كرواية من رأى فعلا للنبي ? , وسبقت له ? مدة يقيم الصلاة فيها , وكان هذا الراوي الرائي من أصاغر الصحابة الذين حصل تمييزهم ورؤيتهم بعد إقامة الصلاة مدة؛ فهذا مقطوع بتأخره , وكذلك من أسلم بعد مدة , إذا أخبر برؤيته للفعل , وهذا ظاهر في التأخير , وهذا تحقيق بالغ " أ. هـ الإحكام 1/ 233
ويشكل عليه صعوبة تمييز الفعل الأول , بل تعذره في أفعال الصلاة ظاهر , فأي أفعال النبي ? في الصلاة نقلت إلينا أولا؟ حتى نحكم عليها بالوجوب لأنها بيان للأمر بها , ولا شك أن تحقيقه بالغ في حالة معرفة المتقدم من المتأخر , أما في حالتنا هذه فلا وجه له , كما أنه لا ينطبق على أفعال الحج , فإنها كلها وقعة مرة واحدة , فلا تستقيم هذه القاعدة , والله أعلم.
- والجواب الآخر قوله " وقد يجاب عنه بأمر جدلي لا يقوم مقامه , وهو أن يقال: دل الحديث المعين على وقوع هذا الفعل , والأصل عدم غيره وقوعا بدلالة الأصل , فينبغي أن يكون وقوعه بيانا. وهذا قد يقوى إذا وجدنا فعلا ليس فيه شيء مما قام الدليل على عدم وجوبه , فأما إذا وجد فيه شيء من ذلك؛ فإذا جعلناه مبينا بدلالة الأصل على عدم غيره ودل الدليل على عدم وجوبه؛ لزم النسخ لذلك الوجوب الذي ثبت أولا فيه , ولا شك أن مخالفة الأصل أقرب من التزام النسخ " أ.هـ أي: فيكون الفعل هنا ليس داخلا في البيان , فلا يأخذ حكم المبين فلا يكون واجبا بهذا. وهذا الجواب يشكل عليه الأفعال التي تنازع العلماء في حكمها , فإنها ليست داخلة في تقريره هذا.
- الجواب الثالث له , وهو قوله " فما ثبت استمرار فعل النبي ? عليه دائما؛ دخل تحت الأمر وكان واجبا , وبعض مقطوع به - أي مقطوع باستمرار فعله له- , وما لم يدل دليل على وجوده في تلك الصلوات التي تعلق الأمر بإيقاع الصلاة على صفتها؛ لا يجزم بتناول الأمر له , وهذا أيضا يقال فيه من الجدل ما أشرنا إليه ". ومثله للصنعاني لكنه أضاف قيدا وهو " فكل ما حافظ عليه من أفعالها وأقوالها وجب على الأمة، إلا لدليل يخصص شيئا من ذلك "
وهذا الجواب قال عنه الدكتور محمد الأشقر " وفي هذا المسلك ما فيه , أتراه ? في الصلوات التي صلاها أثناء وفود جماعة مالك بن الحويرث - ? - , ترك ما كان يواظب عليه من المستحبات في الأقوال والأفعال والهيئات , كالجهر والإسرار و وتعديد التسبيح والأذكار , والتورك في التشهد , وقراءة سورة بعد الفاتحة؟ يغلب على الظن أنه ? لم يترك شيئا من ذلك " أ.هـ أفعال الرسول1/ 295 - 296
كما أنه لا ينطبق على أفعال الحج , فإنها وقعت مرة واحدة.
- وأجاب القرطبي في المفهم 5/ 135 بقوله " ويلزم من هذين الأمرين – أي صلوا , وخذوا - أن يكون الأصل في أفعال الصلاة والحج الوجوب؛ إلا ما خرج بدليلٍ؛ كما ذهب إليه أهل الظاهر، وحكي عن الشافعي " وممن يرى هذا الرأي النووي المجموع 3/ 241 , والسبكي الإبهاج 2/ 264 , والشوكاني النيل 5/ 91 ,
ومثله لابن عبد البر الاستذكار 4/ 223 , لكنه قال " فما لم يجمعوا عليه أنه سنة وتطوع؛ فهو واجب بظاهر القرآن والسنة بأنه من الحج المفترض على من استطاع السبيل إليه "
وللجصاص وابن القيم وأبي شامة آراء أخرى , أعرضت عن ذكرها للاختصار و لعل الأقرب من هذه الأجوبة:
ما قاله أبو شامة في المحقق 113 (- أن المراد التأسي بالصفة على نية التقرب مطلقا من دون تعيين , فقال " فثبت أن المراد بقوله ? " صلوا " , و " خذوا " , أي أوقعوا فعل الصلاة والنسك على ما يوافق في الصورة ما أوقعه عليه من نية التقرب مطلقة " , واستدل له:
- بحديث سهل بن سعد ? " أن النبي ? صلى على منبره أول ما عمل له فلما فرغ , قال " إنما صنعت هذا لتأتموا بي ولتعلموا صلاتي "
- وقاسه كذلك على مسألة اقتداء المفترض بالمتنفل وبالعكس , فإن مذهب كثير من العلماء – كما يقول – جواز ذلك , سواء علم ذلك المقتدي أو لم يعلمه.
- وذكر أن فعل الصحابة يؤيده , " فقد وقع من أفعال النسك واجبها ومندوبها جملة كبيرة فعلوها كما فعلها – وذلك قبل قوله ? " خذوا عني مناسككم " فإنه قد قالها ? يوم النحر حين رمى جمرة العقبة - قال " وإنما التمييز بين الواجب والمندوب لعله كان حاصلا لبعض الصحابة حينئذ , ثم حصل لغيرهم بعد ذلك بنص دلالة الكتاب والسنة , كما حصل ذلك للفقهاء بعدهم , ولم يضر جهل ذلك حالة ملابسة الفعل وهذا واضح " , فالتمييز بين الواجب والمندوب موكول للمجتهدين , كما وكل تفسير الكلالة وغيرها إليهم "
¥