21) وأذكر كلام شيخ الإسلام عن التعريف لما فيه من الفوائد قال: ((فأما قصد الرجل مسجد بلده يوم عرفة للدعاء والذكر فهذا هو التعريف في الأمصار الذي اختلف العلماء فيه، ففعله ابن عباس، وعمرو بن حريث من الصحابة وطائفة من البصريين والمدنيين ورخص فيه أحمد، وإن كان مع ذلك لا يستحبه هذا هو المشهور عنه. وكرهه طائفة من الكوفيين والمدنيين: كإبراهيم النخعي وأبي حنيفة ومالك، وغيرهم.
ومن كرهه قال: هو من البدع، فيندرج في العموم لفظا ومعنى.
ومن رخص فيه قال: فعله ابن عباس بالبصرة حين كان خليفة لعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما، ولم ينكر عليه، وما يفعل في عهد الخلفاء الراشدين من غير إنكار لا يكون بدعة)).
قلت: فتأمل كيف وصف التعريفَ هذا النفر العظيم من السلف بالبدعية رغم وروده عن هذه الطائفة من السلف – وفي ثبوته لبعضهم نظر- وتأمل كيف جعل شيخ الإسلام الحجة في نفي إطلاق البدعية هو ثبوت الدليل الشرعي على الجواز عنده (الذي هو الفعل في زمن الراشدين مع عدم الإنكار) بمعنى أنها عنده لها أصل، ولم يجعل الحجة في منع إطلاق البدعية مجرد الخلاف السائغ، فهو يمنع إطلاق البدعية؛ لأنه يرى الفعل غير بدعة لا لأن ما اختلف فيه لا يكون بدعة وإلا لما احتاج لذكر الفعل في زمان الراشدين كحجة.
تنبيه: هذه المسائل هي عندي من مسائل النزاع السائغ وقد يُنازَع في سواغ بعضها لكن ستبقى منها جملة صالحة للدلالة على ثبوت إطلاق البدعية على المسائل المتنازع فيها نزاعاً سائغاً عن السلف.
2 - الحكم العام يجوز إطلاقه في مسائل الاجتهاد وغيرها فيقال من فعل كذا (مما هو من مسائل الاجتهاد وغيرها من باب أولى) فهو مبتدع.
يقول شيخ الإسلام لما تكلم عن حكم إلحاق الوعيد إذا صادف محلاً مختلفاً فيه،كمن يفتي بجواز الوصل مع قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لعن الله الواصلة ... ): ((وَحُجَّةُ هَؤُلَاءِ أَنَّ الْوَعِيدَ مِنْ الْأُمُورِ الْعِلْمِيَّةِ؛ فَلَا تَثْبُتُ إلَّا بِمَا يُفِيدُ الْعِلْمَ وَأَيْضًا فَإِنَّ الْفِعْلَ إذَا كَانَ مُجْتَهِدًا فِي حُكْمِهِ لَمْ يَلْحَقْ فَاعِلَهُ الْوَعِيدُ. فَعَلَى قَوْلِ هَؤُلَاءِ يُحْتَجُّ بِأَحَادِيثِ الْوَعِيدِ فِي تَحْرِيمِ الْأَفْعَالِ مُطْلَقًا وَلَا يَثْبُتُ بِهَا الْوَعِيدُ إلَّا أَنْ تَكُونَ الدَّلَالَةُ قَطْعِيَّةً ... وَذَهَبَ الْأَكْثَرُونَ مِنْ الْفُقَهَاءِ وَهُوَ قَوْلُ عَامَّةِ السَّلَفِ إلَى أَنَّ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ حُجَّةٌ فِي جَمِيعِ مَا تَضَمَّنَتْهُ مِنْ الْوَعِيدِ؛ فَإِنَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالتَّابِعِينَ بَعْدَهُمْ مَا زَالُوا يُثْبِتُونَ بِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ الْوَعِيدَ كَمَا يُثْبِتُونَ بِهَا الْعَمَلَ وَيُصَرِّحُونَ بِلُحُوقِ الْوَعِيدِ الَّذِي فِيهَا لِلْفَاعِلِ فِي الْجُمْلَةِ وَهَذَا مُنْتَشِرٌ عَنْهُمْ فِي أَحَادِيثِهِمْ وَفَتَاوِيهِمْ)).
قلت: فقد حكى الشيخ عن جمهور الفقهاء وعامة السلف جواز تعميم الأنواع بالوعيد رغم أنه يكون في الأعيان من هو مجتهد لا يلحقه الوعيد بعينه،وإطلاق اسم المبتدع هو من جنس الوعيد ومن أفراده.
وأصل ذلك: هو العمل بالوعيد والذم الثابت على المخالفة الشرعية وتنزيل ذلك على أنواع المخالفين؛لأنه كما أن فيهم مجتهد لن يلحقه الوعيد بعينه = ففيهم مقصر أو عاص سيلحقه الوعيد بعينه فلا داعي لتعطيل الخبر العام بالوعيد وإنما يُحترز من إسقاطه على آحاد المعينين.
3 - أما عن أحكام المبتدع، فاسم المبتدع يثبت في الجملة لمن وقع في مثل ذلك من مسائل الاجتهاد ثم ينظر إلى حال المعين عند الحكم عليه:
فإن استبانت له الحجة فأعرض عنها بعد التبين فهو مبتدع اسماً وحكماً.
ومن خرج عن هذه الحجة بتأويل غير سائغ فهو مبتدع اسماً وحكماً.
وهذا لا نزاع فيه؛إذ لا عذر له يمنع إيقاع حكم المبتدع عليه.
4 - يبقى النظر الآن فيمن وقع في البدعة في المسائل الاجتهادية بتأويل سائغ،فنقول: هو كمن وقع في المحرمات بتأويل سائغ، واسم البدعة هو من ألقاب وأوصاف المحرم وهو بعض الذم والوعيد الذي يتوعد به الواقع في بعض المحرمات، فإذا ارتفع عن الواقع في المحرم بتأويل سائغ عقوبات المحرم ارتفع معها اسم المبتدع ..
¥