ولم يكتفِ بذلك بل قال: " يَا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ يَنْصُرُنَا مِنْ بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جَاءَنَا " وزاد على ذلك فقال: " وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الْأَحْزَابِ (30) مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعِبَادِ (31) وَيَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ (32) يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ مَا لَكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (33) وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جَاءَكُمْ بِهِ حَتَّى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولًا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتَابٌ (34) " ثم أعاد وأعاد فقال:" وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ (38) يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ (39) مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ (40) وَيَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ (41) تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ (42) لَا جَرَمَ أَنَّمَا تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَةِ وَأَنَّ مَرَدَّنَا إِلَى اللَّهِ وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ (43) فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (44) ".
فيا ليت من يحتج بفعله يقوم بعُشرِ معشارِ ما قام به مؤمن آل فرعون.
فهو وإن كان يكتم إيمانه إلا أنه بنصحه وإنكاره ودعوته وتأييده للحق، أفضل وأهدى سبيلاً ممن يظهرون إيمانهم في زماننا إلا أنهم يدهنون ويتزلّفون ويتملّقون لأئمة الجور لإقامة الشرع الحنيف على الأرض بزعمهم؟!!
فشتّان ما بين المثلين من الفرقِ والبيْنِ.
ثالثًا: ترك المحكمات واللجوء إلى المتشابهات ليس من صنيع أهل الفقه في الدين بل هو من صنيع الذين في قلوبهم مرضٌ، وهؤلاء يتركون الأحاديث الصحيحة الصريحة المشهورة المعلومة في النهي عن طلب الإمارة أو السعي إليها، ويتركون طريقة الأنبياء التي ذكر الله تعالى في كتابه، ويذهبون إلى كلمة (يكتم إيمانه) قالها عبدٌ مؤمنٌ ليس بمعصوم من الخطأ في أمةٍ ودينٍ وشرعٍ ليس هو بشرعنا ولا ديننا؟! ومعلوم الخلاف بين أئمة الأصول في شرع من قبلنا هل يكون شرعًا لنا أم لا؟!
والفصل: أن له ثلاث صور:
1 - ما ورد شرعنا بموافقته، فهذا يكون شرعًا لنا كالتوحيد.
2 - ما ورد شرعنا بمخالفته فهذا لا يجوز الأخذ به كالسجود للآدميين فقد سجد إخوة يوسف لأخيه وكان في شرعهم جائزًا، إلاّ أنه في شرعنا محرّم.
3 - ويبقى ما لم يرد في شرعنا موافقه له أو مخالفة؛ وهذا يجتهد فيه العلماء؛ ولهم فيه رأيان؟!
وأنت إن نظرت إلى هذه المسألة وجدتها من الصورة الثانية وهي أن شرعنا جاء فيها بالحكم الفصل؛ وهو عدم الجواز، فالذهاب بعد ذلك للإستدلال بفعل رجلٍ مؤمنٍ غير معصوم من الخطأ وقد كان على شريعةٍ غير شريعتنا، وطرح الأدلة المتكاثرة المتوافرة من سنة المصطفى في النهي عن طلب الإمارة وإن خلت عن منكر أثناء الطلب؟!!
هذا لا شك أنه مجانب لطريقة أهل العلم والإيمان.
وهل يشبه ذلك إلا ما فعله القبوريون في زماننا من الإستدلال بقصة أصحاب الكهف حين قال قومهم: " قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا " فأجازوا بناء الأضرحة والقباب على القبور وأعرضوا عن ما تواتر عن النبي من النهي عن ذلك ولعن من فعله؟!!
وأخيرًا: لا يُفهم من كلامنا أننا نركن إلى الواقع ونرضى به ونستحسنه؛ كلاّ، ولكن نقول: الواقع الأليم الذي يعيشه المسلمون في ظل قوانين الطاغوت يجب تغييرها؛ إلا أننا نسلك في التغيير ما شرع لنا الله ورسوله وماكان على نهج النبوة؛ من الدعوة إلى الله حتى تتغيّر المجتمعات فحينئذٍ يغيّر الله لنا الحال لما نريد ونحبّ؛ " إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ ".
والله تعالى الموفق.