وصار (المفتاح) أساسًا لكل ما كتب بعده في علم البلاغة، وقد لخص جلال الدين القزويني 739هـ القسم الثالث من المفتاح الخاص بالبلاغة في كتابه (تلخيص المفتاح) ثم شرحه في كتابه (الإيضاح شرح التلخيص)، واعتمد القزويني في شرحه (الإيضاح) على كلام السكاكي في (مفتاح العلوم) وانتقده واستدرك عليه كما اعتمد على كلام عبدالقاهر الجرجاني في كتابيه (دلائل الإعجاز) و (أسرار البلاغة)، وكل هذه الكتب مطبوعة.
وتعتبر كتب عبدالقاهر الجرجاني والسكاكي والقزويني أمهات كتب هذا العلم، ومن كتب المعاصرين:
(شرح التلخيص في علوم البلاغة) لمحمد هاشم دويدري، شرح (تلخيص المفتاح) للقزويني.
و (بغية الايضاح لتلخيص المفتاح) لعبد المتعال الصعيدي، شرح (الإيضاح) للقزويني، و (جواهر البلاغة) للسيد أحمد الهاشمي، وسار فيه على نمط (الإيضاح) في الترتيب مع مزيد من التفصيل وضرب الأمثلة، و (البلاغة الواضحة) لعلي الجارم ومصطفى أمين، وجميع الكتب المذكورة في علم البيان مطبوعة.
الرابع: علم الأدب:
مع دخول الفساد على اللسان العربي وَضَع علماء اللغة العلوم السابقة كقوانين للغة العرب يُقاس عليها الكلام ليُعلم موافقته للغة العرب من عدمه.
وقد وجد العلماء أن مجرد علم الإنسان بقوانين اللسان العربي لايُمكِّنُهُ من التكلم بكلام العرب الصحيح ما لم يخالطهم ويتلقى هذا عنهم بالسماع على التدرج حتى تحصل له هذه المَلكة.
ولهذا تجد الصبي الناشئ بين أعراب البادية يتكلم بكلام العرب وأساليبهم مع جهله بقوانين اللسان العربي التي وضعها العلماء، إذ حصلت له الملكة بالمخالطة والسماع لا بتعلم القوانين.
وكان بعض السلف يحرصون على العيش مع الأعراب لتلقي اللغة الصحيحة كما صنع الشافعي - رحمه الله - وكان من عادة الخلفاء - وهم من سكان الأمصار كدمشق وبغداد - أن يرسلوا أبناءهم إلى بادية جزيرة العرب لتحصيل لغة العرب وفنونهم في الفروسية والقتال.
وإذا كانت مخالطة العرب الذين لم تفسد ملكتهم وكثرة الاستماع إليهم ضرورية لتحصيل ملكة التكلم بكلامهم الصحيح، فإن هذه المخالطة بالرحلة إلى البادية والمكث بها طويلاً لا تتيسر لكل من أراد تحصيل هذه الملكة، فاستعاض العلماء عن ذلك بجمع الجيد من كلام العرب المنظوم (الشعر) والمنثور (النثر) وتدوين ذلك في كتب إذا أكثر الإنسان من قراءتها وحفظها يصبح بمنزلة من خالط العرب واستمع إليهم كثيرًا فتحصل له هذه الملكة.
وسميت الكتب التي تجمع كلام العرب المنظوم والمنثور بكتب الأدب، وهذا هو العلم الرابع من علوم اللغة العربية.
ونذكر فيما يلي ما قاله ابن خلدون في موضوعه وثمرته وأهم كتبه:
أ - موضوع علم الأدب: هو جمع الجيد من كلام العرب المنظوم والمنثور.
قال ابن خلدون - رحمه الله تعالى – في " المقدمة " صـ 553:
" فيجمعون لذلك من كلام العرب ما عَسَاه تحصل به الملكة، من شِعرٍ عالي الطبقة، وسجعٍ متساوٍ في الإجادة، ومسائل من اللغة والنحو مبثوثة أثناء ذلك متفرقة يستقري منها الناظر في الغالب معظم قوانين العربية، مع ذكر بعضٍ من أيام العرب يفهم به ما يقع في أشعارهم منها، وكذلك ذكر المهم من الأنساب الشهيرة والأخبار العامة، والمقصود بذلك كله أن لا يخفى على الناظر فيه شئ من كلام العرب وأساليبهم ومناحي بلاغتهم إذا تصفحه، لأنه لا تحصل الملكة من حِفظِه إلا بعد فهمه، فيحتاج إلى تقديم جميع ما يتوقف عليه فهمه " اهـ.
ب - ثمرة علم الأدب: هى في الأداء فقط لا التحمل.
أي في القدرة على التكلم بكلام عربي صحيح بليغ لا في فهم كلام الغير إذ الفهم يعتمد على قوانين اللسان العربي سالفة الذكر.
قال ابن خلدون – رحمه الله تعالى – في " المقدمة " صـ 553:
" وإنما المقصود منه عند أهل اللسان ثمرته: وهى الإجادة في فَنَّي المنظوم والمنثور على أساليب العرب ومناحيهم " اهـ.
جـ - أهم كتب علم الأدب:
قال ابن خلدون – رحمه الله تعالى – في " المقدمة " صـ 553 - 554:
¥