فقد ساق فعل الاستعانة متعديا بالباء، متوهما أن لم يأت في الاستعمال غير هذا الوجه، لأنه أشهر، وأكثر استفاضة، ولعله لا يدري أن هذا الفعل ورد في التنزيل متعديا بنفسه وبالحرف، ومنه قوله تعالى: {وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ .. } (البقرة: 45) وقوله: { .. وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} (الفاتحة) ولكن الباحث ظن أن المتعدي بنفسه من خطأ الاستعمال، فأدخل الباء على معموله، فانكسر بذلك الوزن، وهو هنا الرجز، ويبدو أن الباحث لا يفرق بين الرجز والقصيد. وهذا الخلط زيّن لصاحبه أن يتوهم –خطأ في النقل أو اعتمادا على نظيره-!! أن لابن مالك "قصيدة في نظم الصحاح .. " وأين القصائد من نظم مفردات المعاجم؟؟ فما ذكره المؤلف هنا خطأ في التعبير، وعدم تحقق في استعمال المصطلح، ومنذ القديم فرّق العرب بين "الرجز" و"القصيد" فقالوا –مثلا-: أراجيز رؤبة وقصائد جرير .. ومنه قول الشاعر في هجاء شاعر رجاز:
أبا الأراجيز ياابن اللؤم توعدني * وفي الأراجيز خلت اللؤم والخور
11 - ومن سقطاته التي يبدو أنها بعدد أسطر الكتاب لا بعدد الصفحات! قوله: " .. وكانت هذه الطريقة وعاء للعصر في نظم النحو شعرا .. " وبغض النظر عن هذه الظرفية القبيحة في قوله: "وعاء للعصر" إذ كيف يكون الرجز العلمي وعاء للعصر؟؟ لقد انبهر الكاتب أنفاسا، وتفسخ دون بلوغ ما يريد إبلاغه!! بغض النظر عن ذلك، فليس في إقحامه كلمة "شعرا" هنا من معنى، غذ كيف يكون النظم في النحو شعرا، ومتى عد ناظمو العلوم والمعارف في تاريخ الفكر العربي شعراء؟؟ ومن هذا الذي صنف أعمالهم المنظومة في مكتبة الشعر العربي؟؟ فالكلمة هنا حشو وإقحام، ولو حذفها لاستقام المعنى، إن جهل الباحث بالتراث الإسلامي، وهو تراث من الغزارة والعمق والتنوع والامتداد بمكان تسقط دونه دعوى المدعين، خطيئة غير مغتفرة، وجناية حالة بصاحبها غير منتظرة ..
12 - وذكر الباحث أن من مؤلفات ابن مالك "تسهيل الفوائد وتكميل المقاصد" ولم يذكر أن هذا الكتاب مطبوع .. وأنه حققه وقدم له محمد بركات، وطبعته عن تحقيق بركات دار الكتاب العربي بمصر (سنة 1387هـ-1967م)، كما فاته أن يذكر أن ابن مالك جمع في هذا الكتاب بين كتابيه "الفوائد" و"المقاصد" فقد اختصر فيه كتابيه إرشادا للطالب وتيسيرا وتسهيلا ..
وقد قرظ السعد ابن عربي كتاب "الفوائد" بقوله:
فكل مسألة في النحو يجمعها * إن "الفوائد" جمع لا نظير له!
وقد ذهب إلى هذا غير واحد من المحققين، ومن هؤلاء العلامة الشرف العجيسي في شرحه على الألفية.
ـ[أبو علي الطيبي]ــــــــ[12 - 02 - 07, 03:51 م]ـ
13 - ومن أخطاء الاستعمال اللغوي قوله: "وابن مالك محب للمعارضة هاو لها" (ص20) وبغض النظر عن الترادف –لو صح الاشتقاق- الذي لا يحمل معنى، ولا يضيف فائدة، إلا محاولة تلوين فاشلة، وتكلف في القول وفضول، فإن قوله: "هاوٍ" من المبتذل العامي، الذي لا يقره الفصيح، فهو متأثر بأغنية "يالغاوي الهاوي" في مبتذل العامية ومرذولها! جاء في متن اللغة: "هويه: أحبه، فهو من هو، وهي هوية، لا تزال تهوى فالفعل من الهوى، ويشتق من هذا المصدر صيغة مشتبهة على وزن فعل بزنة "ثمل" لا غير، أما اسم الفاعل فهو من "هوَى" بفتح عين الفعل، وبكسرها في المضارع. التي من معانيها السقوط من علو إلى سفل، ومصدره (هُوِيٌّ، وهِوِيٌّ، وهَوَيان) ومن معانيه أن يأتي في أسلوب الدعاء بمعنى "هلك أو مات" -والعلاقة بين الهلاك والسقوط ملحوظة- إذ قد يترتب على السقوط الموت، ومن ذلك قول الغنوي:
هوت أمه ما يبعث الصبح غاديا * وما ذا يرد الليل حين يثوب؟؟
ولو تدرج المؤلف في أداء المعنى على مذهب البلغاء لكان خيرا له، كأن يقول: " ... محب لها، كلف بها، مشدود إليها ... ".
14 - ومن أوهام الباحث قوله: "والعصر: جمع أعصر وعصور: "دهر". ووقوفه عند هذا يوهم أن ليس من جموع هذا المفرد إلا ما ذكره، وهو منه تسرع في النقل، أو وهم، وقد خلط الباحث بين استعمالين للفظة "العصر" فهي بمعنى "العشية" تجمع على "أعصر وعصور" و"بمعنى كل مدّة ممتدة غير محدودة تحتوي على أمم تنقرض بانقراضهم" كما حققه الإمام الشهاب في شرحه على الشفاء، فهي تجمع على (أعصاَرٍ وعصور وأَعصُر وعُصُر (بضمتين) ".
15 - ومن أوهام المؤلف الناتجة عن تسرعه في استخلاصه المعلومة من مصادرها قوله: "حيث ظهر جنكيز خان القائد المغولي، وحمل على الممالك الإسلامية .. فاكتسحها، وضرب مدنها وقتل المعتصم .. " وفي هذا الكلام المتهافت أوهام، منها أن جنكيزخان لم يشهد سقوط بغداد، إذ توفي في (18 آب 1227م) الموافق لـ (14 رمضان 625هـ)، أي قبل سقوط بغداد على يد هولاكو بواحد وثلاثين عاما، إذ كان سقوطها على يد هذا الطاغية في (20 محرم 656هـ الموافق 28 كانون الثاني 1258م)، ومن الأوهام أن قتيل هولاكو ليس "المعتصم" بل "الخليفة المستعصم" وهو الخليفة السابع والثلاثون من خلفاء بني العباس، وهو آخر خلفائهم، ولم يكن لانتقال الخلافة إلى مصر كبير معنى.
16 - ومن التهافت البعيد قوله: " .. وظهور المغالاة في صقل المعنى، والمعجزات البلاغية .. " الظاهر أن بعض الناس من الدارسين والمتأدبين -عندنا- عندما يكتبون، يلغون عقولهم، وأذواقهم!! ويطلقون العنان للجهل يستبد بهم كيف شاء؟! وإلا فما سوق "المعجزات البلاغية" في معرض الحديث عن ظهور الصبغ البديعي في الكتابة الأدبية بكل أنواعها المعروفة، في فترات الدول المتعاقبة منذ سقوط بغداد حتى أوائل فجر النهضة العربية الإسلامية؟! -فهل يريد المؤلف بالمعجزة في هذا السياق العجز- فخانه أداته التعبيرية، لتأصل العجمة فيه، وتغلغلها في وجدانه!! ولكن ما علاقة هذا العجز بالبلاغة حتى تنبز به وتكون وصفا له، أو يكون منسوبا إليها؟، ولا شك أن الكاتب يسمع بمصطلح "المعجزة القرآنية" وهي أعلى درجات البيان، وأرقى مستويات النظم، بحيث لو تظاهر الثقلان، لوقفوا دونها حاسرين، ولظلت أعناقهم لها خاضعين، فكيف يوردها هنا مورد النبز والهتر والسلب! لا تفسير لذلك إلا أن تكون العجمة مستحكمة في ذهن الكاتب، ضاربة بالأسداد على قلبه ولسانه، فلا يكاد يعرب أو يبين إلا بقدر أدنى يعد به في بني آدم!!
¥