تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

العلامة الطّناحيّ من خلال مقالاته

ـ[أبومالك المصرى]ــــــــ[18 - 05 - 10, 02:03 ص]ـ

العلامة الطّناحيّ من خلال مقالاته (1)

أكرم علي حمدان

لم أكن أعرف الدّكتور الطّناحيّ قبل اطّلاعي على مجموع مقالاته الّتي نشرتْها دار البشائر الإسلاميّة في مجلّدين، وصدرت الطّبعة الأولى منها سنة 2002. ولئن كان الأسهل على المرء أنّ يسوّغ ذلك بأنّ الرّجل لم ينل من الشّهرة ما ناله غيره من الأعلام الّذين سارت بأسمائهم الرّكبان، إذا سمح لنا الأساتذة الكرام أمثال أحمد أمين ومارون عبّود والعقّاد، ومن سار سيرَهم في الحملة على الاجترار، أن نجترّ هذا التّعبير، حيث لا قوافلَ ولا ركبان، فإنّ أساتذة الجامعة الأفاضل يتحمّلون جزءًا من سبب جهلنا بعلم كبير مثل الدّكتور الطّناحيّ، رحمه الله وطيّب ثراه، ولا سيّما أولئك الّذين كانوا قد سافروا وتقلّبوا في البلاد، وقابلوا من النّاس من لم يقابلْ غيرُهم، وعرفوا من الرّجال من لم يعرفْ سواهم.

على أنّ جزءًا من هذا الجهل راجع إلى تقصيرنا نحن في البحث والتّنقير، وانصرافنا عن القراءة والاطلاع، ولا سيّما أنّ الرّجل ترك من الإنتاج العلميّ خمسة وثلاثين كتابًا، بين تحقيق وتأليف، أثْرَتْ بِها المكتبةُ العربيّة، وأفاد الكاتب بِها وأجاد.

وأمّا وقوعي على كتاب مقالات العلّامة الدّكتور الطّناحيّ فراجع إلى شغفي بقراءة مقالات الأعلام شغفًا نما وترعرع من خلال قراءتي مقالات الأستاذ الكبير أحمد أمين في "فيض الخاطر"، ثم مقالات الأستاذ مارون عبّود في "آخر حجر" و"الرّؤوس" و"مجدّدون ومجترون" وغيرها من كتبه النّفيسة، ثم ما توالى بعدُ من كتب ضمّت مقالات عاليةً لعدد من الكُتّاب الكبار والأساتذة الفاضلين. وذلك أنّ القارئ كثيرًا ما يجد في المقالات والبحوث القصيرة المعمّقة ما لا يجده في المطوّلات من الكتب، ممّا يُحبّ أن يتعرف عليه، بحكم فضوليته، من العلاقات والوشائج، وأقوال الرّجال في الرّجال، من أصحاب الفكر والعلم والقلم، وما إلى ذلك، ممّا لا يخلو من فائدة ومتعة، ولا تتّسع له صفحات الكتب على طولها.

ومَثَلُ ذلك أنني قرأت الكثير لأحمد أمين، ولم أزل مشغوفًا بمطالعات ما ترك من كتب وبحوث ومقالات *، بيد أنّي لم أعرف أنّه كان يُملي إملاء بأَخَرة من حياته، وأنَّ الّذي كان يكتب له هو تلميذه الأستاذ الكبير إحسان عبّاس، إلا من خلال مقالة للدكتور عبّاس في كتابه الّذي ضمّ بين دفّات مجلداته الثّلاثة ما أبدعته قريحة مؤلّفه من بحوث ومقالات خلال حياته العلميّة الحافلة، ونشرته له دار الغرب الإسلاميّ عام 2000. وكذلك ما كنت أعلم أنّ الإمام الشّهيد حسن البنّا خطا في مجال تحقيق التّراث خطوة إلا من خلال مقالة للدّكتور الطّناحيّ في كتابه "في اللّغة والأدب" عنوانُها: "المحقّقون من أبناء دار العلوم". ومهما يكن من شيء، فأنت تجد في هذه المقالات من المتعة الذّهنيّة ما لا تجد في غيرها، وتقف فيها على نكتٍ وطرائفَ ولطائفَ قلَّ أنّ تقف عليها في سواها.

ومن هنا، فلمّا وقع نظري على هذا العنوان بينما كنت أنظر في فهارس دور النّشر، سارعت بالإعلام عليه وطلبه مع كتاب له آخر عنوانه "في اللّغة والأدب: دراسات وبحوث"، فلما جاءني الكتابان جعلتهما من أوائل ما عزمت على النّظر فيه من الكتب. وما هي إلا أن قلّبت صفحات أوّل الكتابين، حتّى أدركت أنّني أمام علم من أعلام العربيّة في العصر الحديث، وباحث من الباحثين الجادّين، وكاتب محكم الفكرة، جزل العبارة، رصين الأسلوب، غزير العلم، واسع الثّقافة. وعجبت من نفسي أن لم أعرف هذا الرّجل من قبل. ثم قويت صلتي به من خلال متابعة أخباره من هناك ومن هناك، والاستمتاع بقراءة مقالاته وبحوثه، الّتي ضمها ثاني كتابيه الّذي يقع أيضًا في مجلدين، فإذا رجل صادق النّفس قويّ الإيمان، لم يشغله شاغل كتراث أمّته، فوقف نفسه عليه، متتبّعًا مخطوطاته، ومعتنيًا بتحقيقه، ومضطلعًا بفهرسته في كثير من الدّول والمؤسسات، إلى اشتغاله بالعلم والبحث والتّدريس، حتّى نودي في السّادس من ذي الحجّة سنة ألف وأربعمائة وتسعة عشر، فأجاب نداء ربّه، وألقى عصا التّسيار في هذه الحياة وهو في أتمّ صحّة وأكمل عافية.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير