تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

والدّكتور الطّناحيّ أزهريٌّ درعميّ، ولد عام 1353 من هجرة المصطفى، صلى الله عليه وسلم، بمحافظة المنوفيّة في مصر، وتقلّب في مناصبَ أكاديميّةٍ كثيرة، منها عمله أستاذًا بكلّيّة الدّراسات العربيّة والإسلاميّة بجامعة القاهرة، فرع الفيوم، وأستاذًا بقسم اللّغة العربيّة وآدابِها بكلّيّة الآداب بجامعة حلوان، وأستاذًا مشاركًا بكلّيّة اللّغة العربيّة بجامعة أمّ القرى بمكّة المكرّمة، وفي غيرها. وهو شديد الانتصار لتراث هذه الأمّة، والاعتداد به، عارف بمظانّه، مطّلع على كنوزه، متمكّن من أدوات النّظر فيه، ونقده وتقويمه، كما يظهر واضحًا من خلال مقالاته المختلفة، ولا غرو، فهو حواريّ الشّيخ شاكر، وتلميذه الأريب!

على أنّ أهمّ ما أبرزه هو اتّصاله بعالم المخطوطات العربيّة، إذ دخل في هذا المجال ناسخًا ومفهرسًا ومحقّقًا، وأتيح له من خلال انتدابه عضوًا في بعثات معهد المخطوطات العربيّة أنّ يزور تركيّا والمغرب والسّعوديّة واليمن، وأن تكون له اليد الطّولى في الكشف عن نوادر خزائنها وفهرسة مخطوطاتِها. وقد أكسبه العمل في معهد المخطوطات التّابع لجامعة الدّول العربيّة خبرات واسعة بكنوز التّراث العربيّ بفضل تلمذته على عالِمَيِ المخطوطات الكبيرين: محمّد رشاد عبد المطلب، وفؤاد السّيّد. وكان رشاد عبد المطّلب، كما يقول الطّناحيّ، "من العلماء بالمخطوطات وأماكن وجودها، وكان لا يُجارَى في معرفة المطبوعات وأماكن طبعها شرقًا وغربًا، والفرق بين الطّبعات، وعدد طبعات الكتاب المختلفة، ومن وراء ذلك كانت له صلات وثيقة بعلماء الدّنيا من عرب وعجم". ويتابع الطّناحيّ قائلًا: "كنت لصيقًا به ملازمًا له عشر سنوات في معهد المخطوطات .. وتعلّمت منه الكثير". (انظر مقالة أحمد تمام على موقع إسلام أون لاين) ثم ما كان من تلمذته على علّامة العربيّة الشّيخ محمود محمّد شاكر، الّذي حلّ من قلبه في أكرم موضع، وفاز لديه من الحبّ والتّقدير بالسّهم الأغلب والنّصيب الأوفر، وكان لديه صاحب القدر الرّفيع والجواب الطّائع، إذ كان الدّكتور الطّناحيّ، رحمه الله، شديدَ التّعلق به والدّفاع عنه، كما سيأتي في ثنايا هذه المقالة، الّتي من تمام تعريفي به فيها أنّني سأحرص على أن أسوق من كلامه كلّما واتت الفرصة قدر المستطاع، تشويقًا للقارئ وحثًّا له على طلب المزيد.

* * * * * نظرة في النّحو العربيّ

وأوّل ما يلفت انتباه قارئ مقالات الطّناحيّ أنّ الرّجل قد أحبّ لغة العرب حتى شغف بِها، وغدا جنديًّا من جنودها، وحارسًا من حراسها، يدافع عنها ويذبّ عن حياضها، ذبَّ من ملك أدوات العلم والبحث والمناظرة، لا دفاعَ أصحاب التّهويش والتّهاويل الفارغة، ممن يسيئون من حيث يحسبون أنّهم يحسنون، ويهدمون وهم يظنّون أنّهم يبنون. ولا عجب، فقد كان الرّجل، كما مضى، حجّة في فنون العربيّة وآدابها، حافظًا للقرآن الكريم، عارفًا وجوه قراءاته، ذكيًّا سريعَ اللّمحة، مطّلعًا على كتب التّراث، متمكنًا من تحقيقها.

ويظهر أثر ذلك الشّغف في كلّ ما رَقَمَه قلمُه، بَلْهَ ما خصّصه لذلك من مقالات، كتلك الّتي يردّ فيها على مقالةٍ كتبها الأستاذ الشّاعر أحمد عبد المعطي حجازي، عنوانُها: "حين يستوي الصّمت والكلام"، وخلاصتها أنّ اللّغة ليست هي النّحو، وأنّ المبالغة في الاهتمام بالنّحو ليست دائمًا دليلًا على نهضة أدبيّة أو حاسّة لغويّة يقظة، بل ربما كانت بالعكس دليلًا على ضعف السّليقة وانحطاط الملكة. والطّناحيّ في ردّه على هذه المقالة لا يجتهد في تبيين فضل النّحو وسلطانه على سائر العلوم العربيّة فحسب، إذ قد أبدأ في ذلك وأعاد، وحشا فيه وكرَّر، ولكنه يغوص في أعماق الكتب لينتزعَ منها أمثلة تبيّن سلطان النّحو على اللّغة والفكر والفنّ معًا، فهو، وإن كان يتّفق مع حجازي على أنّ اللّغة ليست هي النّحو، بل يقرّر أنّ ذلك ممّا قاله أهل العلم من قديم، فإنّه يرى أنّ النّحو إبداع، و"ليس موضوعًا يحفل به المشتغلون بالمثل اللّغويّة، والّذين يرون إقامة الحدود بين الصّواب والخطأ، أو يرون الصّوابَ رأيًا واحدًا"، فالنّحو عنده "مشغلة الفنّانين والشّعراء"، كما يقول الدّكتور مصطفى ناصف.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير