[عود الضمير إلى غير مذكور]
ـ[فريد البيدق]ــــــــ[02 - 06 - 10, 02:04 م]ـ
(1) توطئة
العلاقة بين الضمير ومرجعه متعددة، فهي تشمل:
1 - عود الضمير إلى متقدم لفظا ورتبة، وهذا هو الأصل.
2 - عود الضمير إلى متأخر لفظا متقدم رتبة، وهذه مرتبة ثانية.
3 - عود الضمير إلى متأخر لفظا ورتبة، وهذه حالات مخصوصة.
4 - عود الضمير إلى غير مذكور، وذلك عند وضوح السياق، وهذه تذكر إشارة.
وهنا سنعيش معا الحالة الرابعة لتظهر معالمها.
(2) النماذج التطبيقية
1 - قال تعالى: (وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيرًا) [فاطر:45].
فلأن المفهوم أن الدواب تدب على الأرض أعاد إليها الضمير وإن لم يذكر لفظها.
2 - وفي مسند أحمد:
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي مَالِكٍ يَعْنِي عُبَيْدَ بْنَ الْأَخْنَسِ، حَدَّثَنِي الْوَلِيدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ يُوسُفَ بْنِ مَاهَكَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: كُنْتُ أَكْتُبُ كُلَّ شَيْءٍ أَسْمَعُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُرِيدُ حِفْظَهُ، فَنَهَتْنِي قُرَيْشٌ عَنْ ذَلِكَ، وَقَالُوا: تَكْتُبُ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فِي الْغَضَبِ وَالرِّضَا؟ فَأَمْسَكْتُ حَتَّى ذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: اكْتُبْ؛ فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا خَرَجَ مِنْهُ إِلَّا حَقٌّ!
فلأن السياق يتحدث عن الكلام أعاد الضمير إلى الفم الذي لم يذكر في هذه الرواية وغن كان ذكر في روايات أخر.
3 - وفي منتقى ابن الجارود أيضا بتحقيق الشيخ أبي إسحاق الحويني-مكتبة التقوى-2007:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى قَالَ: ثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ السَّدُوسِيُّ - وَلَقَبُهُ عَارِمٌ، وَكَانَ بَعِيدًا مِنَ الْعَرَامَةِ، ثِقَةً صَدُوقًا مُسْلِمًا - قَالَ: ثَنَا ثَابِتُ بْنُ يَزِيدَ أَبُو زَيْدٍ الْأَحْوَلُ، قَالَ: ثَنَا هِلَالٌ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: قَنَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَهْرًا مُتَتَابِعًا فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ وَالصُّبْحِ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ، إِذَا قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، مِنَ الرَّكْعَةِ الْآخِرَةِ، يَدْعُو عَلَى حَيٍّ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ، عَلَى رِعْلٍ وَذَكْوَانَ، وَيُؤَمِّنُ مَنْ خَلْفَهُ. قَالَ: أَرْسَلَ يَدَعُوهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ، فَقَتَلُوهُمْ.
أعاد الضمير إلى رسل رسول الله صلى الله عليه وسلم على الرغم من أنه لم يصرح بذكرهم، إلا أن ذكرهم مفهوم من السياق؛ إذ التقدير "أرسل رسلا يدعوهم إلى الإسلام، فقتلوهم".
4 - وفي منتقى ابن الجارود أيضا بتحقيق الشيخ أبي إسحاق الحويني-مكتبة التقوى-2007:
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ هَاشِمٍ، قَالَ: ثَنَا يَحْيَى - يَعْنِي ابْنَ سَعِيدٍ - عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: وَالَّذِي أَكْرَمَهُ وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ الْكِتَابَ، لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي بِنَا لَيْلَةً صَلَاةَ الْمَغْرِبِ وَإِنَّ جَبِينَهُ وَأَرْنَبَتَهُ لَفِي الْمَاءِ وَالطِّينِ.
... فإنه أقسم برب محمد صلى الله عليه وسلم، ولما كان هو المرسل، أعاد الضمير من دون مرجع سابق لدلالة السياق على المرجع.
(3) أنقل هنا ما ورد في كتاب "جامع الدروس العربية" للشيخ مصطفى الغلاييني:
عود الضمير
إن كان الضمير للغَيبة فلا بد له من مرجعٍ يُرجع إليه؛ فهو:
- إِما أن يعودَ إِلى اسم سبقه في اللَّفظ وهو الأصل، مثل "الكتاب أخذتُه".
- وإما أن يعود إلى متأخرٍ عنه لفظًا متقدّمٍ عليه رُتبةً (أي بحسَب الأصل)، مثل "أخذَ كتابه زهيرٌ"؛ فالهاءُ تعود إلى زهير المتأخر لفظًا، وهو في نِيَّة التقديم، باعتبار رُتبته؛ لأنه فاعل.
- وإما أن يعود إلى مذكور قبله معنىً لا لفظًا، مثل "اجتهِدْ يكن خيرًا لك" أَى يكن الاجتهاد خيرًا لك، فالضمير يعود الى الاجتهاد المفهوم من "اجتهِدْ".
- وإما أن يعود إلى غير مذكور لا لفظًا ولا معنىً إن كان سياقُ الكلام يُعيِّنُهُ، كقوله تعالى {واستوَت على الجُوديّ}، فالضمير يعود الى سفينة نوحٍ المعلومة من المقام. وكقول الشاعر:
إذا ما غَضِبْنا غضْبَةً مُضْرِيةً * هَتكْنا حِجابَ الشَّمْس أو قَطرت دَما
فالضمير في "قطرَت" يعودُ الى السُّيوف التي يدُل عليها سياق الكلام.
وفي منتقى ابن الجارود:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى قَالَ: ثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ السَّدُوسِيُّ - وَلَقَبُهُ عَارِمٌ، وَكَانَ بَعِيدًا مِنَ الْعَرَامَةِ، ثِقَةً صَدُوقًا مُسْلِمًا - قَالَ: ثَنَا ثَابِتُ بْنُ يَزِيدَ أَبُو زَيْدٍ الْأَحْوَلُ، قَالَ: ثَنَا هِلَالٌ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: قَنَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَهْرًا مُتَتَابِعًا فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ وَالصُّبْحِ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ، إِذَا قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، مِنَ الرَّكْعَةِ الْآخِرَةِ، يَدْعُو عَلَى حَيٍّ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ، عَلَى رِعْلٍ وَذَكْوَانَ، وَيُؤَمِّنُ مَنْ خَلْفَهُ. قَالَ: أَرْسَلَ يَدَعُوهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ، فَقَتَلُوهُمْ.
أعاد الضمير إلى رسل رسول الله صلى الله عليه وسلم على الرغم من أنه لم يصرح بذكرهم، إلا أن ذكرهم مفهوم من السياق؛ إذ التقدير "أرسل رسلا يدعوهم إلى الإسلام، فقتلوهم".
¥