تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ثم ما وضع الطّناحيّ من مقالات حول هذا الموضوع من غير طريق ترجمة أعلامه، كمقالته عن التّراث العربيّ في المغرب، ومقالة له بعنوان "تراثنا رحلة شاقة شيّقة"، تكلّم فيها عن مراحل نشر التّراث، ومقالة له عنوانُها: "التّحقيق" ذكر فيها أصول هذا الفن ومراحل تطوره، وكذلك مقالة له عنوانُها: "حلقات مفقودة في تراثنا المطبوع"، ذكر فيها أسماء الكثير من المخطوطات الكبيرة الّتي لا زالت تنتظر من يقوم بتحقيقها وإخراجها للنّور، ككتاب "البرهان في علوم القرآن"، لأبي الحسن الحوفيّ المصريّ المتوفّى سنة 430 هـ، وهو كتاب قال فيه: "ولا تقل إنّ "البرهان" للزركشيّ، و"الإتقان" للسّيوطيّ يكفيان، فهذان بالنّسبة إلى كتاب الحوفيّ قطرة في بحر، مع اختلاف المنهج والمادة العلميّة. وقد استطرد في ذكر كتب من هذا الطّراز في مختلف العلوم، ولا سيّما التّاريخ. ومن هذه المقالات أيضًا مقالة عنوانُها: "دار الكتب ونشر التّراث في مصر"، وقد تكلّم فيها عن المكتبة الزّكيّة، لأحمد زكي باشا، الّذي كان صاحب الفضل في مدّ الجسور بين مصر وأوروبا. ومقالة عنوانُها: "تركيا والمخطوطات العربيّة"، ذكر فيها من حديث المخطوطات العربيّة في تركيا الشّيء الغريب العجيب. ولكيلا أطيل على القارئ الكريم، إن لم أكن قد أطلت، أختم بذكر مقالة له في هذا الباب عنوانُها: "المتنبّي وعلم المخطوطات"، ذكر فيها مخطوطة نفيسة لشرح ديوان المتنبّي للواحديّ، وتكلّم فيها أيضًا عن حاجتنا إلى المخطوطات، وعدّد أسماء أخرى من علماء المخطوطات الّذين عرفهم في المغرب وتونِس وغيرها.

وغير خافٍ ما أصاب هذا العلم بأَخَرَة من ترهُّل وضعف سببه أن اجترأ عليه بعض من ليس لهم في العلم باع، ولا سيّما من طلبة الدّراسات العليا، الّذين يستسهل الواحد منهم أن "يحقّق" مخطوطة مهما كانت قيمتها العلميّة، على أن يجشّم نفسه أهوال البحث والتّنقير، ويدخلها في بحار لا ساحل لها من الآراء والتآويل والأقوال، وليس معه ما يتبلّغ به من أدوات البحث والتّحقيق، وفي ذا يقول الطّناحيّ: "ويشتدّ بي العجب – وقد قضّيت مع هذا العلم خمسة وثلاثين عامًا: ناسخًا ومفهرسًا ومحقّقًا ودارسًا – حين أقرأ لبعض النّاس الآن كلامًا أخّاذًا برّاقًا عاليَ النّبرة عن المخطوطات وسرقتها والغيرة عليها، مع يقيني الّذي لا يداخله الشّكّ أنّهم لم يعانوا هذا العلم ولم يعرفوا شيئًا عن أسراره وخباياه، فضلًا عن أنّهم لم يجالسوا شيوخه وأعلامه، وأساسُ العلم التّلقّي والمشافهة، فهي حماسة كاذبة وولاء مدخول:

وكلّ يدّعي وصلًا بليلى * وليلى لا تقرّ لهم بذاكا" * * * * * وبعد، فلا إخالني قد قلت في حقّ هذا الرّجل إلا أقل القليل ممّا يجب قولُه، لكنّما هي شروط النّشر، ورغبة الكثيرين عن القراءة، وإن ما أرجوه أن تكون مقالتي هذه قد شوّقت القارئ الكريم لمعرفة هذا العلم معرفة أوسع، وتتبع بحوثه ومقالاته، والسّعي لاقتناء المزيد من كتبه ومحققاته، فإنها ستفتح له أبوابًا من النّظر، وتدلّه على فوائد من الكتب، ربما ما كان ليقف عليها وحده. وأطمع كذلك أن تكون قد حرّكت لديه داعية الطّلب للاستزادة في المسائل الّتي مرّ ذكرها، والبحث عنها في مظانِّها. وإنّني أهيب بالأساتذة الكرام مَدرسيّين وجامعيّين، أن يقتفوا أثر هذا العالم النّحرير وأمثاله من الأعلام الخالدين، الّذين شغلهم تراث هذه الأمّة، وأخلصوا للعلم وتجرّدوا له، فرفع الله بإخلاصهم ذكرهم، وأعلى به على الأيّام مقامهم، وأن يُعَرّفوا به طلّابَهم، وأن يطالبوهم بقراءة بعض مقالاته، ومناقشتها ضمن مادّة الأدب المعاصر، فإنّ أسلوب الرّجل من أعلى الأساليب إنشاء، وأحلاها بيانًا، وأجزلها ألفاظًا، وأمتنها تركيبًا، وأغزرها مادة، وأقربِها مسلكًا، وأكثرها فائدة، فجزاه الله عنّا خير الجزاء، وبرّد مضجعه وطيّب ثراه.

مجلة الرقيم للآداب العربية

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـ

* لا يحسبنّ القارئ أنّنا نتّفق مع أمين في كلّ ما يقول، بل إنّنا نخالفه أشدّ المخالفة في أمور، ولا سيّما في نظرته للحديث النّبوي الّتي فنّدها الدّكتور مصطفى السّباعيّ في الفصل السّابع من كتابه النّفيس "السّنة ومكانتها في التّشريع الإسلاميّ".

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير