تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

انفلونزا الخنازير أم الطاعون-الموت- الأسود أيهما أشد فتكاً؟

ـ[محمد أبو عمر]ــــــــ[04 - 05 - 09, 12:15 م]ـ

في سنة (749هـ=1348م) وقع وباء عظيم شمل كل العالم ([1])،واستمر هذا الوباء إلى بداية سنة (750هـ=1349م) ([2])،وقد عرف هذا الوباء في أوربا باسم الطاعون الأسود ([3]).

وقد أسهب المؤرخون في وصف مدى انتشاره وتأثيره في العالم، قال المقريزي:"عم أقاليم الأرض شرقاًوغرباً، وشمالاًوجنوباً، جميع أجناس بني آدم وغيرهم، حتى حيتان البحر، وطير السماء، ووحش البر" ([4])،وقال ابن خلدون:" هذا إلى ما نزل بالعمران شرقاً وغرباً في منتصف هذه المائة الثامنة من الطاعون الجارف الذي تحيف الأمم وذهب بأهل الجيل وطوى كثيراً من محاسن العمران ومحاها وجاء للدول على حين هرمها وبلوغ الغاية من مداها فقلص من ظلالها وفل من حدها وأوهن من سلطانها وتداعت إلى التلاشي والاضمحلال أموالها وانتقض عمران الأرض بانتقاص البشر فخربت الأمصار والمصانع ودرست السبل والمعالم وخلت الديار والمنازل وضعفت الدول والقبائل وتبدل الساكن وكأني بالمشرق قد نزل به مثل ما نزل بالمغرب لكن على نسبته ومقدار عمرانه وكأنما نادى لسان الكون في العالم بالخمول والانقباض فبادر بالاجابة والله وارث الارض ومن عليها " ([5])،وقال السخاوي:"ولم يُعهد نظيره فيما مضى،فإنه طبق شرق الأرض وغربها، ووصل حتى مكة المشرفة،وما سلم منه سوى طيبة" ([6])، وقال ابن العماد الحنبلي:"عمّ سائر الدنيا حتى قيل أنه مات نصف الناس، حتى الطيور والوحوش والكلاب " ([7]) ويسجل لنا المقريزي منشأ هذا الوباء وكيفية انتشاره في العالم بقوله أنه بدأ من بلاد " القان الكبير ([8]) وبعدها من توريز إلى أخرها، وهي بلاد الخطا والمغل ([9])،فهلكوا بأجمعهم من غير علة، ... ،وصاروا جيفاً مرمية فوق الأرض ... ،ثم حملت الريح نتنتهم إلى البلاد، فما مرت على بلد ولا خركاه ([10]) ولا أرض، إلا وساعة يشمها إنسان أو حيوان مات لوقته وساعته، فهلك من زوق ([11]) القان الكبير خلائق لا يحصى عددها إلا الله، ومات القان وأولاده الستة، و لم يبق بذاك الإقليم من يحكمه، ثم اتصل الوباء ببلاد الشرق جميعها، وبلاد أزبك ([12]) وبلاد اسطنبول وقيصرية الروم ([13])،ودخل إلى أنطاكية حتى باد أهلها، وعم الوباء بلاد قرمان ([14]) وقيصرية، وجميع جبالها وأعمالها، ففني أهلها ودوابهم ومواشيهم، فرحلت الأكراد خوفاً من الموت، فلم يجدوا أرضاً إلا وفيها الموتى، فعادوا إلى أرضهم، وماتوا جميعاً، وعظم الموتان ببلاد سيس ([15])، ومات من أهل تكفور ([16]) في يوم واحد، بموضع واحد مائة وثمانون نفساً؛ وخلت سيس وبلادها، ووقع في بلاد الخطا مطر لم يعهد مثله في غير أوانه، فماتت دوابهم ومواشيهم عقيب ذلك المطر حتى فنيت، ثم مات الناس والطيور والوحوش حتى خلت بلاد الخطا؛ وهلك ستة عشر ملكاً في مدة ثلاثة أشهر، وباد أهل الصين، ولم يبق منهم إلا القليل؛ وكان الفناء ببلاد الهند أقل منه ببلاد الصين" ([17])،و"عم الوباء بلاد الفرنج، ... ،وعم الموت أهل جزيرة الأندلس،إلا مدينة غرناطة،فإنه لم يصب أهلها منه بشيء" ([18]) و"عم الموتان إفريقية بأسرها، جبالها وصحاريها ومدنها" ([19]).

******************************************

[1]- يذكر المؤرخون أن منشأ هذا الوباء كان في أواسط آسيا في الصين والهند،وأنه انتشر فيها منذ عام (742 هـ = 1341م) ثم انتقل منها إلى بقية بلدان العالم خلال السنوات التالية؛ ينظر: ابن الوردي، التاريخ، ج2،ص339؛ابن كثير، البداية والنهاية، ج14،ص260؛ المقريزي، السلوك، ج4،ص80 - 81؛ ابن تغري بردي، النجوم الزاهرة، ج10،ص156.

[2]-ينظر: ابن كثير، البداية والنهاية، ج14،ص260 - 264؛ابن قاضي شهبة، التاريخ، ج1،ص541 - 542؛ابن دقماق، النفحة المسكية، ص164؛ ابن حجر،بذل الماعون في فضل الطاعون، ص 230؛المقريزي، السلوك، ج4،ص80 - 101؛ابن تغري بردي، النجوم الزاهرة، ج10،ص156 - 168؛السيوطي، ما رواه الواعون، لوحة15أ.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير