تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[رحلة مكتبة تمبكتو الأندلسية.]

ـ[هشام زليم]ــــــــ[22 - 01 - 09, 11:59 م]ـ

بسم الله الرحمان الرحيم. و الصلاة و السلام على محمد و على آله و صحبه أجمعين.

هي من أعظم حواضر الأندلس, كانت مملكة بني ذي النون من ملوك الطوائف, و سميت في دولة بني أمية بالثغر الأدنى, كما سميت بمدينة الأملاك, لأنها فيما يقال مَلَكها اثنان و سبعون ملكا. فيها وجد طارق مائدة سليمان التي كانت من ذخائر إشبان ملك الروم الذي بنى أشبيلية و جلبها من بيت المقدس –أعاده الله للمسلمين-.

بها بساتين محدقة, و أنهار مخترقة, و رياض و جنان, و فواكه حسان, مختلفة الطعوم و الألوان, و لها من جميع جهاتها أقاليم رفيعة, و رساتيق مريعة, و ضياع بديعة, و قلاع منيعة.

كانت قاعدة ملك القوطيين, و هي مطلة على نهر تاجه, و عليه كانت القنطرة التي يعجز الواصفون عن وصفها.

إنها طليطلة –ردها الله دار إسلام- المدينة الأولية, العظيمة القدر, الجليلة الوضع, القديمة البناء, المنيعة الحصينة, الكثيرة المياه و الثمار. (1)

قدّر الله أن تكون هذه المدينة العظيمة أوّل حاضرة إسلامية تسقط بيد النصارى في السادس من مايو 1085م, و اهتزّت لسقوطها أركان البلاد الإسلامية, و تقوّى بها أعداء الإسلام أيما تقوّي, و ظلت في يدهم رغم جهود المرابطين الحثيثة لاسترجاعها, لكن منعتها و وعورة مشارفها حالت دون ذلك.

في منتصف القرن 15م, بدأ المسلمون المدجنون الذي بقوا في طليطلة يستشعرون الضغط الذي يمارسه المجتمع النصراني و سلطته على الطوائف الغير نصرانية. تحت هذا الضغط لسلطة الاحتلال النصراني, قررت عائلة بنو القوطي الهجرة و مغادرة طليطلة. لقد صقلت الحضارة الإسلامية بالأندلس نمط عيش هذه العائلة طيلة أجيال, و سبغته بالتسامح و حب العلم و الكتب. و هذا ليس بغريب على أهل الحواضر الكبرى للأندلس.

وقفة

إن في هجرة عائلة بني القوطي من طليطلة حفاظا على إسلامهم لعبرة لمن يبحث عن الحق, كما أن في هجرتهم رد على من ادّعى أن المسلمين غزوا الأندلس و فرضوا الإسلام فرضا على أهلها.

فكما يدل على ذلك اسمها, تنحدر عائلة بنو القوطي من أصول قوطية, أي من نسل السكان الذين عمروا الأندلس قبل وصول الفاتحين المسلمين. فلو كان الإسلام فُرِض عليهم أثناء الغزو المزعوم لكان الأولى أن يطرحوه و يتبرؤوا منه عند أول فرصة تتاح لهم, و يعتنقوا النصرانية التي كانوا عليها قبل وصول الإسلام إلى الأندلس. لكن هذا لم يحدث, فقد غادر بنو القوطي دار الكفر إلى دار الإسلام بعد أن رسخ في قلوبهم الدين الذي قبلوه عن طيب خاطر, و استرخصوا مفارقة أرض الأجداد في سبيل الحفاظ عليه.

عرف القرن 15م نهاية التسامح الهش لمملكة قشتالة النصرانية اتجاه بني القوطي و إخوانهم المسلمين. في هذا الإطار, تحكي التواريخ أنه في 22 مايو 1468م قامت مجموعة من الطليطليين المسلمين بمغادرة طليطلة, و كان بينهم القاضي علي بن زياد, سليل أسرة بني القوطي, و كان يعمل في طليطلة كقاضي مدني يحكم بين المسلمين. فعلى غرار العديد من المهاجرين الذين سبقوه, و الآلاف الذين سيلحقون به, اتجه علي ابن زياد جنوبا نحو مضيق جبل طارق و عَبَر إلى المغرب, حيث نزل إمّا بفاس أو بمدينة مغاربية أخرى عرفت استقرار العديد من الأندلسيين بها. لم يلبث ابن زياد أن نسج علاقة مع إمبراطورية سنغاي بالسودان الجنوبي, بأفريقيا جنوب الصحراء, و اتبع بذلك سبيل أندلسيين آخرين مروا عبر طرق الطوارق و استقروا ببلاد مالي.

شكلت مالي الحدود الجنوبية للإسلام, و كانت مقصد الطليطلي ابن زياد الذي استقر بكومبو. حبه الشديد للكتب صاحبه خلال رحلته إلى وسط إفريقيا حيث يُعتقد أنه اقتنى عدة نسخ لنصوص دينية تخص القرآن العظيم و حياة الرسول محمد صلى الله عليه و سلّم, وقام بالتعليق, في الهوامش, على بعض ما جاء في هذه النصوص. هذه التعليقات حوت ملاحظات على ما قرأه و معلومات عن تلك الفترة و معايشته للأندلسيين العلوج (2).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير