تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[عائلة ابن قدامة المقدسية ودورها في بناء صالحية دمشق ونشر المذهب الحنبلي]

ـ[محمود غنام المرداوي]ــــــــ[17 - 05 - 09, 11:20 م]ـ

عائلة ابن قدامة المقدسية ودورها في بناء صالحية دمشق ونشر المذهب الحنبلي*

كتبه .. إبراهيم الزيبق

قبل ثمانية قرون ونصف تقريباً، إبان الحروب الصليبية، هاجرت أسرة فلسطينية من قرية جَماعيل (أو جماعين كما ينطقها الناس اليوم) قرب نابلس إلى دمشق، فكان لهذه الهجرة تأثير كير من الناحية العمرانية والثقافية.

أما من الناحية العمرانية، فقد بنى المهاجرون في جبل قاسيون مدينة لهم، هي مدينة الصالحية المعروفة اليوم بهذا الاسم (1).

ومن الناحية الثقافية، عمقوا نشر مذهب الإمام أحمد بن حنبل في دمشق وما حولها (2)، وألفوا في فقه هذا المذهب كتباً ما تزال هي العمدة فيه عند الحنابلة كمغني ابن قدامة والمقنع وغيرهما، وبعثوا نهضة ثقافية شاملة فيما بنوه من المدارس والمكتبات العامة، فما هي وقائع هذه الهجرة؟

جد هذه الأسرة والباعث لها على الهجرة هو الشيخ أحمد بن محمد بن قدامة، رجل متدين صلب، في الستين من عمره، نشأ في ظل الاحتلال الصليبي لبيت المقدس (3)،

ورحل على عادة ذلك العصر طالباً للعلم، ثم رجع إلى قريته جماعيل، فكان خطيباً في مسجدها، ومعلماً فيها للقرآن والحديث، فانتشر ذكره بين أهلها والقرى المجاورة لها لزهده وصلاحه وجرأته، وكان الناس يأتون إليه يستمعون لخطبته، ويجلسون إليه، وكان كثيراً ما يلمح في مجالسه لعدم رضاه عن مقامه تحت أيدي الفرنجة، لما يفرضونه من ضرائب جائرة على الفلاحين الذين هم في عرف النظام الإقطاعي أقنان الأرض، ولما يوقعونه عليه من عقوبات قاسية كتقطيع أرجلهم، ولمنعهم إياهم من إظهار شعائر دينهم.

قلق حاكم نابلس الصليبي من هذه الاجتماعات، وما قد ينجم عنها، خاصة أن أحد جواسيسه قال له: إن هذا الرجل الفقيه يشغل الفلاحين عن العمل، فتحدث الحاكم في قتله، فسارع أحد الكتبة الصليبيين وأبلغ الشيخ أحمد بما يدبر له، فعزم على المضي إلى دمشق (4).

ولدمشق هوى خاص عند أهل نابلس، فلحبهم لها سموا مدينتهم نابلس: دمشق الصغيرة (5)، وفي دمشق أيضاً كان السلطان نور الدين محمود بن زنكي، هذا الحاكم الذي فضح ملوك عصره بما أشاعه في رعيته من عدل، فهوت إلى عاصمته أفئدة الناس، فغدت دمشق مثابة وأمناً لكل من طال شوقه للعدل وللجهاد ضد الصليبيين.

ومع ثلاثة من أقربائه خرج الشيخ أحمد إلى دمشق، وما إن وصلها حتى أمر أقرباءه بالعودة إلى جماعيل، ومعهم رسالة إلى ابنه الأكبر أبي عمر، يأمره فيها بالسفر إلى دمشق مع الأسرة كلها، لأنه قرر المقام فيها، ولن يرجع للعيش تحت السيطرة الظالمة للفرنج.

رجع أقرباء الشيخ إلى جماعيل خفية، واختبئوا في مقبرة القرية حتى جنّ الليل وكانت المقبرة تقع قرب طريق أبي عمر، فما إن مرَ به أحدهم حتى صاح به أحدهم وأخبرهم بأمر الرسالة.

في صباح اليوم التالي دار أبو عمر في القرية، وفي القرى المجاورة لها، يبلغ أسرته نبأ الهجرة، ويعد لها العدة اللازمة، وحين عاد في المساء جلس مع أهل القرية، وراح يتحدث عن الأرض وما تحتاجه من بذار، يريد بذلك ألا يشعروا بعزمه على الهجرة.

وكان لأهل القرية موقفهم المسوغ من الهجرة، لما تسببه لهم من إرهاق في العمل بالأرض –وقد نقص عددهم– فهم مطالبون بمقدار معين من الغلَة، بغض النظر عن عدد من يعمل، فالهجرة كانت تعني للباقين منهم عملاً أكثر، وضرائب أفدح، ولكن من أين لأبي عمر أن يخالف والده فيما اتخذه من قرار؟!

ومن هنا، ما إن علم أهل القرية بخبر الهجرة حتى حاولوا جهدهم أن يمنعوا أبا عمر ومن معه منها، وإزاء إصرار أبي عمر لم يبق أمامهم إلا طريق واحد، دفعهم إليه غضب أصم فأفشوا سر هجرتهم إلى الصليبيين الذين بادروا على الفور إلى نهر الأردن ليدركوهم أثناء عبورهم له.

وهكذا انطلقت هذه القافلة الصغيرة في شوال سنة (551هـ-1156م) ليلاً، مولية وجهتها شطر دمشق عبر نهر الأردن .. ولن نستطيع الآن في عصر السفر المريح أن نتخيل أهوال الطريق التي صادفتهم، ففي ذلك العصر كان السفر يعني القتل أو الأسر من قاطع طريق أو صليبي، فما بالك بأسرة غالبية أفرادها أطفال صغار، مطاردون خائفون، لا سلاح معهم ولا خيل.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير