تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

عليه أبداً، هذا وقت الله عزَّ وجل، وحينما تمضي وقتاً في طلب العلْم فقد أدَّيت زكاة الوقت، لأن الله عزَّ وجل قادر أنْ يتلف لك عشر ساعات بأتفه الأسباب، إذا ضَنَنْتَ بساعة عن مجلس علم، أتلف لك الله عزَّ وجل عشرَ ساعات بشيء تافه جداً، يسافر إلى حلب كي يوقِّع معاملة، أو يريد وثيقة، فيرجع ويجدها غير مختومة، لماذا لم تختمها، ارجعْ مرة ثانية فاختمها، ينكسر برغي في الآلة، لا تجد من نوعه في بلدنا، فتقف عند كراجات الأردن، وكراجات لبنان، وتوصي السائقين، ساعات وساعات، وأحيانا يقع خلل في صحة ابنك، ثماني ساعات انتظارًا، وتصويرًا، وأشعة، هذا كلُّه استهلاك للوقت.

لكن حينما تبذل وقتك في سبيل الله يبارك لك ربنا عزَّ وجل في وقتك، ويطرح فيه البركة.

سيدنا عقبة، ترك مصحفاً مكتوباً بخط يده، وبقي مصحفه هذا، إلى عهدٍ غير بعيدٍ، موجوداً في مصر، في الجامع المعروف بجامع عقبة بن عامر، وقد جاء في آخره، كتبه عقبة بن عامر الجهني، ومصحف عقبة هذا، من أقدم المصاحف،التي وجدت على ظهر الأرض، لكنه فُقد، من جملة، ما فقد من تراثنا الثمين، ونحن عنه غافلون.

أما في مجال الجهاد، فحسبنا أن نعلَم أنّ عقبة بن عامر الجهني شهد مع رسول الله صلّى الله عليه وسلم أُحُداً، وما بعدها من المغازي، وأنه كان أحد الكماة الأشاوس المغاوير، الذين أبلوا يوم فتح دمشق، أعزَّ البلاء، وأعظمه، فكافأه أبو عبيدة بن الجراح على حسن بلائه، بأن بعثه بشيراً إلى عمر بن الخطاب في المدينة، ليبشِّره بالفتح، فظلَّ ثمانية أيامٍ بلياليها، من الجمعة إلى الجمعة، يغِذّ السير دون انقطاعٍ حتى بشَّر الفاروق بالفتح العظيم.

انظرْ إلى الصحابة كيف كانوا؟ رهبانًا في الليل، فرسانًا في النهار، فكان عقبةُ مجاهدًا، شجاعًا، بطلاً، حافظًا قرآن، كاتبًا، فصيحًا، محدِّثًا، فقيهًا، فرضيًّا. ثم إنه كان أحد قادة جيوش المسلمين التي فتحت مصر، فكافأه أمير المؤمنين، معاوية بن أبي سفيان، بأن جعله والياً عليها ثلاثة سنين. سيدنا عقبة، وَلِيَ مصر ثلاث سنين، لأنه ترك الغنيمات، والأصح أنه ما سمح للغنيمات أن يبعدنه عن رسول الله، هذه أصح، فلك أن ترعى الغنم، ولك أن تتاجر، ولك أن تعمل، ولك أن تفتح مصنعًا، لكنْ لا تسمح لعملك أن يستهلكك، لا تسمح لبيتك أن يقضي عليك، أنت مخلوقٌ لمعرفة الله، قال تعالى: (الذاريات، الآية 56) ثم وجَّهَهُ سيدنا معاوية بن أبي سفيان لغزو جزيرة رودس، تصوَّروا هذه المهمة، أعرابيٌّ لم يعرف البحر، ولكنّ الله يسدِّده، ويساعده. أخيرًا صار قائدًا بحريًّا.

وقد بلغ مِن ولعِ عقبة بن عامر الجهني بالجهاد أنه وعى أحاديث الجهاد في صدره، واختَّص بروايتها للمسلمين، وأنه دأب على حذق الرماية، فعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ يَقُولُ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ أَلَا إِنَّ الْقُوَّةَ الرَّمْيُ أَلَا إِنَّ الْقُوَّةَ الرَّمْيُ أَلَا إِنَّ الْقُوَّةَ الرَّمْيُ* (صحيح مسلم: رقم " 3541 ") هذا الحديث من دلائل نبوة النبي صلّى الله عليه وسلم، الآن أحدث سلاح، قيمته، في دقة الإصابة، من البحر الأحمر، إلى بناء معين، في مدينة معيّنة ..... أَلَا إِنَّ الْقُوَّةَ الرَّمْيُ .... * فكان هذا الصحابي الجليل قد دأب على حذق الرماية، حتى إنه إذا أراد أنْ يتلهَّى تلهَّى بالرمي." علموا أولادكم السباحة والرماية وركوب الخيل" (1).

كان الصحابة الكرام يركبون الخيل، وبيد أحدهم السيف، وبيده الأخرى حفنةٌ من قمح، أو طحين، أو من تمر، وينطلقون إلى الجهاد، وفي زماننا بيده الشراب المنعس وينطلق إلى ...... !! (أخرجه ابن منده في المعرفة عن بكر بن عبد الله بن الربيع الأنصاري من غير قوله: وركوب الخيل، وزاد: والمرأة المغزل) الملعب ليشاهد المباراة، لقد اختلف الأمر كلِّيًّا، وهان المسلمون كثيرًا.

مرِض سيدنا عقبة بن عامر الجهني مرضَ الموتِ، وهو في مصر، فجمع بنيه وأوصاهم، فقال: - وبالمناسبة اليوم أحد إخواننا من شاشان من شمال الأرض، قال: نحن لا نعرف شيئاً عن الإسلام، لكن رجلاً من هذا البلد هاجر إلينا، وعلَّمنا الدين، وسمَّى اسمه، قلت: سبحان الله! واللهِ إنّه لعملٌ عظيم، إنسان ترك بلاده، وسافر مع زوجته، وأولاده، لبلادٍ نائيةٍ، نائيةٍ، بعيدةٍ، بعيدةٍ، لا تعرف شيئاً عن هذا الدين، الذي بقي مقموعاً سبعين عاماً، هذا انتقل إلى تلك البلاد ليعلمهم دينهم، وصلاتهم، وصيامهم، وقرآنهم، وأين مات عقبة؟ في مصر، فقال بعد أنْ جمع بنيه: يا بني، أنهاكم عن ثلاث، فاحتفظوا بهن، لا تقبلوا الحديث عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم إلا من ثقةٍ، ولا تستدينوا، ولو لبستُم العباءة، ولا تكتبوا شعراً، فتشغلوا به قلوبكم عن القرآن.

ولما أدركته الوفاة دفنوه في سفح المقطم، ثم انقلبوا إلى تركته يفتشونها. ماذا ترك؟ فإذا هو قد خلَّف بضعًا وسبعينً قوساً، مع كلِّ قوسٍ قرنٌ ونبال، وقد أوصى بهن أن يُجعلن في سبيل الله.

نضَّر الله وجه القارئ العالم، الغازي، عقبة بن عامر الجهني، وجزاه الله عن الإسلام والمسلمين خيراً، فهذا سيدنا عقبة بن عامر الجهني، بفضل مؤاثرته رسول الله، على دنياه المحدودة، وصل إلى هذه المراتب

والحمد الله رب العالمين.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير