6 - انعدام الأمن بين البوادي؛ وضعف سيطرة الدول على القبائل في الصحراء؛ فكل قبيلة تسعى لمن يساعدها وينضم إليها؛ ويكثر سوادها وعددها؛ فالقبائل في حاجة إلى قوة تحميها؛ وتقوي شوكتها؛ وقد يبرز الحليف حتى تكون له الرياسة في القبيلة وتكثر ذريته؛ ويُضعِّفون الانتماء للقبيلة الأم؛ لأنهم ليسوا منهم.
7 - قد يكون التكوين من عدة أفخاذ من قبائل شتى لحاجة كل فخذ إلى الأخرى ويُسمّون باسم المكان الذي تجمعوا عنده؛ أو باسم أحد الفروع؛ أو باسم جدٍ يلتقون فيه ولو كان بعيدًا؛ أو بصفة كالظفر والمناصرة؛ والمعاونة؛ فيصبح هذا علمًا عليهم.
8 - قد يكون سبب الحلف الخير والتعاون على فعل الخير؛ كما حصل في حلف الفضول بين بعض فروع قريش في الجاهلية وهذا قليل جدًا.
9 - كثرت هجرات القبائل العربية؛ من: نجد؛ والحجاز خاصة؛ إلى: العراق؛ والشام؛ ومصر؛ وأفريقيا؛ وهناك قبائل هاجرت بأكملها في القرن الأول ثم الثاني؛ فاختفت أخبارهم بعد القرن الثالث؛ مثل: بني أسد؛ وغطفان؛ عدا بعض أشجع الذين بقوا حول خيبر؛ واندمجوا مع قبيلة عنزة لما حلت عليهم في القرن الثالث.
ومن أشهر الهجرات هجرة بني هلال بن عامر بن منصور؛ وسليم بن منصور؛ إلى: مصر؛ ثم شمال إفريقيا؛ وقد اهتم المؤرخون بأخبارهم لشهرتها؛ وأثرها في التاريخ العربي؛ ولا شك أن هناك هجرات عربية كثيرة لم تدون في التاريخ مثل: قبائل مذحج؛ والأزد؛ وكنانة.
الفائدة الثانية والأربعون:
في الصعوبات التي تواجه الباحث في ربط أي قبيلة حديثة ذات اسم حديث أو غير معروف لدينا؛ أو لها اسم قديم؛ وتداخلت معه قبائل أخرى بقبيلة قديمة.
هناك صعوبات كثيرة تواجه الباحث المنصف منها:
1 - قلة المصادر بل أحيانًا انعدامها إلا في بعض التخريجات؛ أو الإشارات؛ وقد يُصيب الباحث في الاعتماد عليها وقد يخطئ.
2 - تباعد الأنساب؛ حتى أصبحت بعض القبائل شعوبًا؛ والعمائر قبائل؛ والبطون عمائر؛ والأفخاذ بطونًا؛ وهكذا كما أفاده فؤاد حمزة.
3 - قد تشتهر القبيلة باسم حلف؛ أو مورد مشهور في زمنه؛ أو مساعدة قبائل أخرى؛ ثم تندمج القبائل بسبب ظروف معينة تحت هذا الاسم؛ وتغلب عليها هذه الشهرة؛ فيكون البحث عن جد تنسب إليه من إضاعة الوقت؛ وقد نسبت قبائل غسان في الجاهلية إلى ماء تجمّعوا عنده؛ ولهم نظائر في بعض القبائل الحديثة.
4 - صعوبة الوقوف على التسلل الصحيح للأنساب لقدم العهد؛ ووجود متغيرات جذرية؛ وعدم وجود مدونات لذلك؛ وقد ينضم تحت الفخذ غير المشهورة من القبيلة أفخاذًا أخرى؛ فتصبح القبيلة باسم الفخذ غير المعروفة التي لا وجود لها في مدونات الأنساب.
5 - كثرة الأحلاف بين القبائل؛ حتى أن الفخذ الواحدة يدخل معها أحلاف كثيرة؛ ومع تباعد الزمن قد تكثر الأحلاف؛ وتقل القبيلة التي لها الاسم.
6 - عدم استقصاء كتب النسب لفروع كل قبيلة وبطونها؛ لاسيما إذا كانت القبيلة كبيرة وذات بطون وفروع كثيرة جدًا؛ مثل: تميم؛ وهمدان؛ وسليم؛ وبني عامر؛ ومذحج؛ والأزد؛ وغيرهم؛ لذلك أجزم أنه يوجد بطون لم يذكرها المؤلفون في الأنساب.
7 - قد يكون اسم القبيلة اشتهر لسبب من الأسباب؛ مما يجعل لا جدوى من البحث فيه وإضاعة الوقت في ذلك.
8 - تشابه الأسماء؛ ولذلك قالت العرب: في كل واد بنو سعدٍ؛ فتشابه الاسم وحده لا يكفي في ربط القبيلة الحديثة بالقديمة؛ ما لم يوجد قرائن أخرى تعضده؛ وإنما يُعدّ قرينة واحدة ويحتاج إلى قرائن أخرى تعضده.
9 - كثرة تنقلات العرب الرّحل؛ وعدم استقرارهم في مكان واحد؛ والمكان من القرائن المهمة؛ مما يجعل المؤرخون أو الرحالة يذكرون ديارهم في زمن معين؛ ثم يأتي مؤرخ آخر؛ أو باحث ويجدهم في بلاد أخرى فيعدها من بلادهم؛ ويحصل بذلك إشكالات.
الفائدة الثالثة والأربعون: مصادر أنساب القبائل العربية الحديثة:
هناك مصدران لأنساب القبائل الحديثة:
المصدر الأول: النصوص الموجودة في كتب النسب؛ أو التاريخ؛ أو الوثائق الصحيحة؛ وهذا المصدر له أهميته؛ وعليه الاعتماد؛ ويؤخذ به كما أن الوهم والخطأ وارد عليها؛ وإذا كان هناك تعارض بين النصوص الواردة فيها يوفق؛ أو يرجح بينها حسب قواعد الترجيح عند أهل العلم
المصدر الثاني: الرواية الشفوية عند رواة القبيلة في أنسابها؛ فالعرب تختلف عن غيرها من الأمم؛ فالقبيلة تعدّ نسبها جزءاً من مجدها وتاريخها؛ لذلك نجد رواتهم يحفظون أنسابهم وتفصيلاتها بدقة ... وسوف أفصل عن الرواية الشفوية في إحدى الفوائد التالية.
الفائدة الرابعة والأربعون: الحلف بين القبائل:
كما ذكرت سابقًا غالب تكوين قبائل المملكة مبني على الأحلاف؛ ومن خلال تتبع أخبار القبائل؛ وما يوجد في المصادر المدونة من أخبار عنها ظهر لي أن الأحلاف الحاصلة تنقسم إلى قسمين:
القسم الأول: أحلاف متقدمة حصلت بعد القرن الثالث؛ ثم استمرت حتى القرن السابع تقريبًا؛ وغالب هذه الأحلاف اندثرت من الرواية الشفوية؛ وقد يوجد في المصادر التاريخية المدونة ما يدل عليها مع الحاجة إلى وجود قرائن تدعم ما في المصادر المدونة؛ ومن أسباب اندثار أخبار هذه الأحلاف من الرواية الشفوية بُعدْ الزمن؛ وانتشار الجهل؛ وكثرة الأحلاف الحديثة؛ مما جعل رواة القبيلة يجهلون أخبار الأحلاف القديمة.
القسم الثاني: أحلاف متأخرة؛ ويتفاوت قربها؛ وأظنها من بعد القرن السابع؛ وهذه محفوظة عند رواة القبيلة؛ فينبغي للباحث أن يأخذ بها ويعتمدها؛ ما لم يكن فيها أساطير خرافية تخرجها عن المنهج العلمي.
¥