إن الذين يدخلون الحرب إنما يأخذون كل هذه النتائج بنظر الاعتبار، أي يتقبلونها سلفاً، فدخولهم الحرب والوقوع في الأسر هو أحد نتائج الحرب. لذا أليس من الأفضل والأكثر إنسانية أن تتم معاملة الأسير حسب الإسلام وقواعده؟ إذن فعندما يقوم الأعداء بأخذ الأسرى منا، فإننا نأخذ الأسرى منهم بالمقابل. والآن ماذا سنعمل مع هؤلاء الأسرى؟ هل سنطلق سراحهم أو نقوم بقتلهم؟ كلا، بل نقسمهم ونوزعهم بين المسلمين، وعندما يرون الجو المعنوي للإسلام في هذه البيوت تلين قلوبهم نحو الإسلام وتنشأ الصداقات الفردية. وأمام هذه المعاملة الإنسانية ودون استعمال أي إكراه سيقبلون على الإسلام طوعاً. وعندئذ تظهر المروءة الإسلامية حيث تنفتح أمامه طرق الحرية، لأن صاحبه لن يرتضي أن يستعبد أخاه المسلم، لأنه يعرف مدى ثواب تحرير الرقبة في الإسلام. ثم هناك ذنوب يكون تحرير الرقبة أول شرط من شروط التوبة. وهكذا فهناك طرق عديدة تنتهي بالأرقاء ألى باب الحرية.
إننا نعامل الأسرى معاملة إنسانية، ونحاول تربيتهم تربية إنسانية، ونساعدهم لتأسيس التوازن بين الدنيا والآخرة، ونبذل كل ما في وسعنا لهدايتهم إلى الإسلام، وأوله معاملتهم بشكل إنساني. وكان هذا هو ما يحصل في القصور ولا سيما بالنسبة للنساء. فهل حاولت إحدى النساء الهرب من أحد هذه القصور بسبب سوء معاملتها؟ هل هناك مثال يمكن تقديمه في هذا الخصوص؟ كلا لا يوجد حتى مثال واحد.
ثم لنحاول بحث النتائج التي تمخضت عنها هذه المعاملة الإنسانية وهذا الطراز من السلوك في التاريخ. هناك مصطلح "الموالي" في التاريخ. وهم الناس الذين حصلوا على حريتهم فيما بعد. وقد ظهر من بينهم رجال عظماء سنذكرهم بكل احترام حتى يوم القيامة، منهم أسامة بن زيد رضي الله عنه الذي كان الرسول صلى الله عليه و سلم يحبه كحبه لأحفاده. وقد اختاره الرسول صلى الله عليه و سلم وعينه قائداً على الحملة التي جردها ضد البيزنطيين. وكان من بين الجنود صحابة كبار وأجلاء أمثال أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، بينما كان أسامة آنذاك في الثامنة عشر من عمره وكان من الموالي. وكان والده زيد بن حارثة رضي الله عنه قائداً في معركة مؤتة واستشهد فيها.
كان نافع رضي الله عنه الذي ربّى شخصاً مثل الإمام مالك من الموالي أيضاً. فعبد الله بن عمر رضي الله عنه كان يملك جارية يحبها جداً اسمها مرجانة، ولكنه عندما نزلت آية (لَنْ تَنَالُوا البِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ) (آل عمران: 92) ولم يكن يملك شيئاً يحبه مثلها فقد قام بتحريرها قربة إلى الله تعالى، ولكي يكون من الذين ينفقون مما يحبون. [1] ثم تزوجت مرجانة من أحدهم وولدت نافعاً. وكان عبد الله بن عمر يحبه ويضمه إلى صدره. ثم أخذ بيده ورباه وجعله – وهو علاّمة الأمة – يرقى في العلم حتى وصل إلى ذروته. ونافع هذا الذي يعد من النجوم المضيئة في العالم الإسلامي كان من الموالي.
نستطيع ذكر العديد من العظماء الذين كانوا من الموالي منهم الإمام أبو حنيفة ومسروق وطاووس بن كيسان وغيرهم، حتى أن عالمين في العهد الأموي كانا يتذاكران أسماء العلماء، فعدّا واحداً وخمسين عالماً كان خمسون منهم من الموالي. فاذا كانت هذه القصور تربي وتنشئ مثل هؤلاء الأشخاص –وكانت فعلاً تقوم بهذه التربية– إذن دعونا نتخلى مؤقتاً عن حريتنا ونتربى هناك ثم نعود إلى حريتنا. لذا لا نرى أي موجب لأي انتقاد في هذا الخصوص، يكفي أن نتخلص من الأفكار المسمومة التي حُشيتْ بأدمغتنا من دون فحصٍ أو تدقيق.
الدكتور: محمد فتح الله كولن
ـ[نور الحياة]ــــــــ[28 - 08 - 09, 03:14 م]ـ
شكرا لك وبارك الله فيك
ـ[هيثم العبيدي]ــــــــ[29 - 08 - 09, 06:43 ص]ـ
هل من مواضيع اخرى في نفس الاطار
ـ[هيثم العبيدي]ــــــــ[29 - 08 - 09, 06:47 ص]ـ
نحن ننتظر المواضيع
ـ[أبو صهيب أشرف المصري]ــــــــ[29 - 08 - 09, 01:39 م]ـ
إن غرفة النوم عندنا مكان متميز، لأنها المكان الذي تتعين فيه الأنساب وتصان. والعائلة تتشكل هناك بكل سرها وخصوصيتها
تعبيبر رائع
ـ[محمد الكناني]ــــــــ[31 - 08 - 09, 08:42 م]ـ
من استطاع أن يرجع إلى البوم صوتي للدكتور العرفج وهو يتكلم عن الدولة العثمانية وتكلم في هذه النواحي كثيرا
ـ[أبو سليمان العسيلي]ــــــــ[05 - 09 - 09, 03:25 ص]ـ
جزاكم الله خيراً على المرور
أما أخي بخصوص موضوع الحريم في الدولة العثمانية فليس لدي الا هذا أما عن الدولة العثمانية من النواحي الأخرى فالدي الكثير بحمد الله.
للدكتور يوسف الدعيج مجموعة رائعة عند الدولة العثمانية موجودة على موقع الإسلام واي - طريق الإسلام -
ـ[الفضيل]ــــــــ[05 - 09 - 09, 09:06 م]ـ
وقد سمعت الدكتور يوسف الدعيج في مجموعة التاريخ السياسي للدولة العثمانية يقول:
نظر أحدهم إلى الحريم السلطاني عن طريق المنظار
فقطع رأسه ...
والله الموفق