وكان قمة إنتاجه نسخ المصحف الشريف مرتين بخطٍ يُعَدُّ من أجمل الخطوط، وله تلاميذ كثيرون في تركيا والشام والعراق أجازهم ومنحهم شهادات تقليدية تؤهلهم لحمل لقب خطاط، ومن الغريب أن تعلَّمتْ على يده طالبة يابانية أجازها في الخط العربي لتنقله إلى بلادها: اليابان.
أورث هذا العالم الفنان الأمة الإسلامية مصاحف خطّها قلمه، وطبعت في استانبول وبرلين، وتعد من روائع المصاحف التي طبعت في العالم، كان يتهاداها الملوك والسلاطين. ومن تلاميذه الكبار حسن شلبي.
ولو رحنا نعدد أسماء الخطاطين العثمانيين لأعيانا العد، من أمثال: يساري أفندي ومصطفى راقم، وممتاز بك، والحافظ عثمان، وعبد الله زهدي، وجلال الدين، ومحمد عزت، ومحمد مؤنس زاده، ومحمد جعفر، ومحمد محفوظ، وغيرهم كثيرون، وكتب هؤلاء الخطاطون الأتراك عشرات المصاحف المبثوثة في مكتبات العالم وآلاف الأدعية والسور القرآنية التي تشهد على ما قدموه من خدمات جليلة لهذا الفن الجميل.
ومن الجدير بالذكر أن نقول إن الإسلام عندما أغلق بابي التصوير والنحت أطلق النزعة الجمالية عند الإنسان المسلم فأبدعت الخط، فتفنَّن فيه تفنّن غير المسلم بالتصاوير والمنحوتات كالفراعنة واليونان مثلاً ومن الجدير بالذكر أيضاً أن نقول: إن الفنان المسلم شعر قبل انتشار حروف الطباعة بأهمية الخط الجميل، وطواعية الحرف العربي الشريف لهذا الإبداع، فاهتم به العثمانيون ـ خاصة ـ اهتماماً شديداً، وخدموه وطوَّروه، وسنوا له من القواعد والقوانين ما ارتقى به إلى أن أصبح الخط العربي على درجة كبيرة من الجمال والكمال والرقي، تتماشى مع المرحلة الحضارية التي مروا بها. واعترف العالم كله لهم بذلك.
وكان نسخ مخطوطات القرآن الكريم من أسباب اهتمام المسلمين بالخط العربي، وأصبح تعلم الخط العربي لا يقل أهمية عن باقي علوم اللغة وأصبح تعلم الخط يقترن بتحفيظ القرآن الكريم ككتابته كتابة صحيحة جميلة. بدليل أن هذا الاهتمام لم يكن محصوراً في عامة الناس فقط، بل وفي خاصتهم أيضاً، فكان الخط مادة أساسية في تعليم أبناء السلاطين والكبراء، كما رأينا قبل قليل.
ومن نافلة القول أن نقول إن الخط ملكة تنضبط بها حركة الأنامل بالقلم على قواعد معينة، وهذه الملكة تتزين بالتعليم، وتقوى بالتمرين والاجتهاد، وليس كل خطاطٍ يمكنه أن يكون خطاطاً مبدعاً محترفاً متميّزاً، وحُسن الخط كامن في الأفراد كمون النار في الحجر، لمن وهبه الله تعالى من الاستعداد الفطري، فإذا اشتغل به الموهوب نبغ نبوغاً عظيماً من غير كبير عناء.
ومن الجدير بالذكر أيضاً أن نقول إن الخط العربي خضع لمحنتين كبيرتين: الأولى: عندما أمر مصطفى كمال أتاتورك سنة 1926 استبدال الحرف اللاتيني بالحرف العربي، وذلك بعد سقوط الخلافة العثمانية التي حرص سلاطينها على خدمة الحرف العربي الشريف، فانقطعت بذلك الصلة بين الأتراك والثقافة الإسلامية، فأهمل بذلك الخط العربي، وضعفت مكانة الخطاطين، بل إن بعضهم هاجر من تركية ومارس فنه في بلادٍ إسلاميةٍ أخرى، والمحنة الثانية هذا الجهاز العجيب المسمى بالحاسوب، الذي قدّم للفكر والثقافة خدمات جليلة، ولكنه نافس الخطاطين في ألوانٍ من الخطوط ابتدعها لتتمشى مع تقنياته، ولكنها وقفتْ دون الخطوط التي كانت تبدعها ريشة الفنان ومداده. صحيح أن الحاسوب يقدم أنماطاً من الخطوط ولكنها لا ترقى إلى جمالية الخط الذي يهاجر من الورق ليرتسم على جدران المساجد والقصور ونفائس الأواني المزخرفة، و هذه لا يمكن أن تصل إليها عبقرية الحاسوب.
المصدر: - بتصرف -
http://www.awu-dam.org/trath/101/turath101-001.htm
ـ[عبدالعزيز العقيلي]ــــــــ[06 - 09 - 09, 12:07 ص]ـ
شكرا ًلك, وجزاك الله خيرا.