تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

(11)، إضافة إلى عدد من القرائن الأخرى الدالة على هذا الوجود.

كذلك وردت إشارات إلى وجود جماعات من الحضارمة عبروا البحر الأحمر إلى ساحله الأفريقي في القرن السادس الميلادي، ثم اختلطوا بالبجة، وكونوا طبقة حاكمة خضع لها البجة، وقد عرفوا عند العرب ـ الحداربة ـ الذين استقروا في إقليم العتباي في الشمال، ثم اضطروا إلى الانتقال جنوباً في القرن الخامس عشر الميلادي؛ حيث أسسوا مملكة البلو (مملكة بني عامر) في إقليم طوكر (12)؛ على أنه من المهم الإشارة إلى نزوح بعض الجماعات النوبية والسودانية عن مواطنها إلى الجزيرة العربية؛ حيث تأثرت بعادات وتقاليد سكانها قبل الإسلام، بل مشاركتها في الحياة الاجتماعية والثقافية هناك؛ فقد أشار ابن هشام إلى استعانة المكيين بنجار قبطي أثناء إعادتهم بناء الكعبة قبل البعثة المحمدية (13) بيد أن بعض المصادر تشير إلى وجود قديم لجاليات حبشية، ونوبية، وسودانية في بعض مناطق الحجاز في تلك الفترة أيضاً (14)، وتذكر أن عدد الأحباش والنوبيين كان كبيراً في عدد من مُدنه، وأدى وجودهم إلى أن يتعلم بعض العرب لغتهم؛ إذ ثبت أن عدداً من صحابة الرسول - صلى الله عليه وسلم - قد تعلموا بعض من تلك اللغات، وأن زيد بن ثابت، وحنظلة بن الربيع بن صيفي التميمي الأسدي كانا يترجمان للنبي - صلى الله عليه وسلم - بالقبطية والحبشية، وقد تعلماها من أهلها بالمدينة (15)، وتمضي هذه المصادر فتذكر أنه كان للنبي - صلى الله عليه وسلم - مولى نوبي اسمه يسار، أصابه في غزوة بني عبد بن ثعلبة فأعتقه، وهو الذي قتله العرنيون الذين أغاروا على لقاح النبي - صلى الله عليه وسلم -، قطعوا رجله ويده، وغرزوا الشوك في لسانه وعينه حتى مات (16).

وعلى الرغم من ثبوت الوجود العربي المبكر، والاتصال ببلاد النوبة والسودان في فترة ما قبل الإسلام، إلا أنه لم يكن ذا تأثير واضح في سكان البلاد، ويرجع ذلك إلى أن العرب وقتها لم يحملوا عقيدة واحدة واضحة، ولم يكن لهم هدف محدد، سوى العمل في التجارة، والبحث عن مناخات وفرص أفضل؛ لكسب العيش في تلك المناطق، كما هو الحال عندما جاء العرب المسلمون الذين يحملون عقيدة واحدة، ويتكلمون لغة واحدة، ويمثلون دولة واحدة، وينشدون أهدافاً موحدة، ويكادون يتفقون في السلوك العام المنضبط بتعاليم الإسلام؛ على أن أهم نقطة تحوّل في تاريخ العلاقة بين العرب المسلمين وبين منطقة وادي النيل وبلاد النوبة والسودان حدثت بعد الفتح الإسلامي لمصر سنة 21هـ في عهد الخليفة الراشد عمر بن الخطاب، بقيادة الصحابي عمرو بن العاص (17)، كانت هي توقيع المسلمين لمعاهدة البقط (18) مع ملوك النوبة والسودان من النصارى الذين كانوا يقيمون في شمالي السودان وحاضرتهم مدينة (دنقلة)؛ ذلك أن هذه المعاهدة تضمنت بنوداً مهمة سهّلت وسمحت في مجملها للقبائل العربية بالهجرة، والتدفق نحو بلاد النوبة والسودان بشكل كبير لم يحدث له مثيل (19)؛ مما مكّنها مستقبلاً من الإحاطة بالكيانات النوبية المسيطرة، وتحول النوبيين وأهل السودان من النصرانية إلى الإسلام.

منافذ الهجرات العربية:

على أن تلك الهجرات قد اتخذت عدداً من المنافذ ظلت ترد عن طريقها القبائل العربية باتجاه بلاد النوبة والسودان، منها ثلاثة منافذ رئيسة هي:

1 - المنفذ الشرقي عن طريق البحر الأحمر من الجزيرة العربية.

2 - المنفذ الشمالي عن طريق نهر النيل من مصر.

3 - المنفذ الشمالي الغربي، أو الطريق الليبي عبر الصحراء الكبرى.

أولاً: المنفذ الشرقي من الجزيرة العربية عبر البحر الأحمر:

يعتبر هذا المنفذ من أقدم وأقصر الطرق التي سلكتها الهجرات العربية إلى بلاد النوبة خاصة وإلى القارة الأفريقية عامة، وقد عرفه العرب قبل الإسلام، وامتدوا على ساحله الشرقي، ومنه أنشؤوا طرق قوافل تسير عليها الإبل إلى المناطق الداخلية في القارة الأفريقية، كما سلكته كثير من القبائل العربية في هجرتها، وتجارتها مع القبائل التي تسكن في ساحله الغربي مثلما فعل (الحضارمة)، وقبائل (بلى) التي ساكنت البجة في الشرق، واختلطوا بهم؛ وحين جاءت الفتوحات الإسلامية توسعت حركة الهجرة من الجزيرة العربية إلى بلاد العالم كافة وإلى بلدان أفريقية على وجه الخصوص،

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير