تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وانفتحت منافذ أخرى للهجرة للسودان غير هذا المنفذ (20)، إلا أن ذلك لم يقلل من قيمته كمنفذ من المنافذ التي ساهمت بقسط كبير في الهجرة إلى بلاد أفريقية بعامة وإلى بلاد النوبة بوجه خاص.

ثانياً: المنفذ الشمالي عبر النيل، وبمحاذاته من مصر:

عرفت المنطقة هذا المنفذ منذ قديم الزمان؛ إذ إنه كان يمثل الطريق التجاري الذي يربط مصر بوسط أفريقيا وبلاد النوبة والبجة، وازدادت أهميته بعد توقيع المعاهدة؛ حيث كفلت بعض بنودها للتجار والمهاجرين والقوافل حق التحرك الحُرّ فيه، وأعطتهم أماناً للتوغل في أعماق البلاد، وأصبح مدخلاً للقبائل العربية إلى بلاد النوبة (21)؛ ويعتبر أحد الباحثين أن هذا المنفذ كان سبباً مباشراً في تعريب بلاد النوبة (3)، وأنه أعظم خطراً وأهم دوراً من المنفذ الشرقي في أمر هجرة القبائل إلى بلاد النوبة، سواء أكان ذلك قبل الإسلام أم في زمن التوسع الإسلامي (22)، وإن كثرة الحديث عن الهجرة العربية عبر البحر الأحمر كانت بسبب أن بعض القبائل العربية في السودان تدّعي أن أسلافها وصلوا من جزيرة العرب مباشرة إلى السودان عبر البحر الأحمر لتأييد دعواهم في الانتساب إلى أصل شريف أموي أو عباسي، أو أنهم سلالة بعض صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (23).

إلا أن على الباحث أن لا يغفل عن أهمية المنفذ الشرقي في دفع وتوسع حركة الهجرة إلى بلاد النوبة (24)، خصوصاً في العهد المملوكي الذي نشطت فيه حركة الملاحة البحرية بين الموانئ الغربية للبحر الأحمر وبين موانئه الشرقية؛ بسبب الاعتداءات الصليبية المتكررة على طريق (برزخ السويس)، وهو الأمر الذي أدى لإنعاش مينائي: (عيذاب، وسواكن)، اللذين وضع المماليك أيديهم عليهما تماماً، بعد تكرار الاعتداء على ممتلكات التجار المصريين المتوفين هناك (25)، هذا ولم يقتصر تأثير المنفذ الشرقي على الجهات التي تقابل الجزيرة العربية فقط، بل تجاوزتها إلى السودان الأوسط وبلاد السودان الغربي أيضا (26)؛

ومهما يكن من أمر فإن هذين المنفذين الشرقي والشمالي يعتبران أهم المنافذ التي سلكتها القبائل العربية المهاجرة إلى بلاد النوبة في تلك الفترة.

ثالثاً: المنفذ الشمالي الغربي، أو الطريق الليبي:

سلكته القبائل العربية في هجرتها نحو بلاد النوبة والسودان، بعد أن تمكن الإسلام في معظم المناطق الشمالية من القارة الأفريقية، ويسير باتجاه السهول والبراري الواقعة بين النوبة وكردفان ودارفور، وقد ازدادت شهرته بعد أن قامت في مصر وشمال أفريقية دول إسلامية مستقلة عن الخلافة العباسية (27)، ولم يكن له دور فاعل ومؤثر في حركة الهجرة نحو بلاد النوبة لجفافه وصعوبته؛ بسبب الصحراء، وقلة الماء؛ على أنه كان هناك عدد من الطرق والمنافذ سلكتها القبائل العربية من هذا الاتجاه، ومنها الطريق الذي يبدأ من شنقيط وينتهي إلى تمبكتو، فجاو، وزند ر، وكوكوا، وبيدا، ومسنيا، وأبشي، والفاشر، ثم يخترق سهول الجزيرة، حتى ينتهي إلى سواكن، وقد اشتهر هذا الطريق لكونه قد رفد بلاد السودان والنوبة بأعداد كبيرة من العلماء والدعاة الذين ساهموا مساهمات كبيرة في نشر الدعوة الإسلامية، وتوطينها في تلك المناطق.

دوافع الهجرات العربية:

ولا شك أن هذه الهجرات إلى بلاد النوبة لم تتم في فترة واحدة محددة، ولم تحركها ظروف واحدة، كذلك بل تمت على فترات متقطعة تنشط حيناً، وتخمد حيناً آخر، وتتحكم فيها عدد من الدوافع أو العوامل الدينية، والسياسية، والتجارية، والاقتصادية يمكن تناولها على النحو التالي:

أولاً: الدوافع الدينية:

كان معظم جنود الحملات العسكرية التي سيرها ولاة المسلمين في مصر نحو بلاد النوبة من رجال القبائل العربية، وممن شاركوا في الفتح الإسلامي لمصر أو من المدد الذي ظل يصل تباعاً إلى مصر من الجزيرة العربية لتقوية السلطة، وحماية الدولة والتوسع في الفتوح (28)، ومن الواضح أن الولاة في مصر لم يكونوا يترددون في تسيير الحملات العسكرية تجاه النوبة، كلما أغاروا على الحدود والمدن الجنوبية للدولة، أو كلما تمردوا عن دفع ما عليهم من: (بقط والتزام)؛ فكان من الأهداف الرئيسة التي حركت أولئك المقاتلين هو الجهاد في سبيل الله ـ تعالى ـ لرد كيد الأعداء والدفاع عن الدولة

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير