منحازا تماما مثل مارمول كارباخال الذى كتب أيضا عن حرب البشرات.
أما عن موقف المؤلف من تلك الحروب التى دارت على أرض إسبانيا قبيل سقوط غرناطة وبعده فإن عنوان الكتاب لا يدع مجالا للشك: كانت حروبا أهلية بين إسبان يعتنقون ديانتين. وللإنصاف نقول إن المؤلف يكتب فى بعض الأحيان عبارات يفهم منها أن الموريسكيين غرباء عن البلاد لأنهم أحفاد العرب الذين غزوا إسبانيا. موقف المؤلف المتردد هذا يذكرنا بموقف ثيربانتيس بالنسبة للمسلم: فمن ناحية كان قد عاش لسنوات أسيرا بين المسلمين وعرفهم عن قرب بحيث تعرف على صفاتهم الحميدة، ومن ناحية أخرى كان عليه أن يسير وفق التيار السائد وأن يلحق بهم كل نقيصة.
- أمة بلا وثائق:
يعترف محمد عبد الله عنان بأنه عند تأريخ الفترة الأخيرة لمملكة غرناطة الإسلامية اعتمد على الوثائق القشتالية حتى فى ذكر أسماء السلاطين الذين تولوا العرش. لا نظن أن المؤرخين العرب لم يكتبوا شيئاً، بل نذهب إلى أن كتاباتهم فقدت لأننا لا نهتم بالوثائق عادة. انظر مثلاً حالة كتاب المصرى عبد الباسط بن خليل الذى تناول تلك الفترة التاريخية فى كتابه "الروض الباسم فى حوادث العمر والتراجم"، فالكتاب موجود فى مكتبة الفاتيكان فقط. ومن يسعده الحظ بقضاء ساعات فى مكتبة إسبانيا الوطنية سيدرك على الفور مدى تقصيرنا فى المحافظة على تراثنا. إنك تجد فى هذه المكتبة كتب التراث فى صورة مخطوطات، وهذا يدل على أن إسبانيا –إدراكا منها لأهمية هذا التراث- اجتهدت فى الحصول على تلك المخطوطات. نحن لا نطمع فى الحصول على مخطوطات بلاد أخرى-وإن كان ذلك مهما- لكننا نأمل فى أن نحافظ على تراثنا فى بلادنا. هناك عامل آخر فى اختفاء وثائقنا، وهو حرص الدول التى احتلت منطقتنا على نهب ما تمكنت من نهبه. على أن وطننا العربى لم يكن الضحية الوحيدة لعملية سرقة الوثائق، فقد مارست دول أوروبية الجريمة نفسها ضد دول أوروبية أخرى. خلاصة القول فى هذا الشأن هى أن وثائقنا قد فقدت، إما لأن المستعمر قد حملها إلى بلاده، وإما لأننا أهملنا فى المحافظة عليها من الرطوبة ومن السرقة.
4 - أهمية الترجمة:
من الغريب أن قضية غرناطة الإسلامية برمتها لا نكاد تجد لها وثائق بالعربية، فمعاهدة التسليم نفسها حررت باللغتين العربية والإسبانية. واحتفظ الإسبان بوثيقتهم ولا تزال موجودة إلى اليوم، أما بالنسبة للنسخة العربية فقد ضاعت كما ضاعت وثائق أخرى كثيرة. و تعين على الباحث العربى أن يترجم الوثيقة الإسبانية تعويضا عن الأصل العربى المفقود. ولما كانت الوثيقة الإسبانية تحرف بعض الأسماء العربية فقد أدى ذلك إلى وجود أسماء شبه عربية استعملت بين المؤرخين العرب نتيجة محاولة التوصل إلى الأصل العربى للأسماء الواردة فى الوثيقة الإسبانية.
5 - أسماء الأعلام:
لعل الملاحظة الأولى التى سيتوقف عندها قارئ "الحروب الأهلية فى غرناطة" هو أننا اتبعنا فيه نظاماً جديداً فى كتابة الأسماء بل بالأحرى عدنا إلى النظام المعمول به فى الدراسات الأندلسية، ويتعين علينا توضيح هذا الأمر.
سعت الممالك المسيحية عند استيلائها على مدن إسلامية إلى تغيير أسمائها عمداً أو بسبب صعوبات لغوية، وهكذا أصبحت مجريط "مدريد" ووادى آش "أنداراكس" وهكذا. أحيانا يكون التغيير بسيطاً يمكن أن يتنبه إليه القارئ بسهولة، وفى أحيان أخرى يلزم التوضيح، وقد اتبعنا فى كتابة أسماء المدن والقرى الإسبانية نظامين:
- كتبنا الأسماء الأصلية التى كانت تسمى بها هذه المدن إبان الفترة الأندلسية عندما يتعلق الأمر بأحداث وقعت قبل سقوط غرناطة,
- وكتبنا الاسم الجديد الذى استقرت عليه السلطات المسيحية بعد استيلائها على تلك المدن عند رواية أحداث وقعت بعد عام 1492.
أما الشخصيات الواردة فى هذا الجزء الثانى فقد تناولناها بطريقتين:
- أسماء الشخصيات الحقيقية البارزة حاولنا التحرى عنها قدر جهدنا ونحسب أننا توصلنا إلى الكتابة الصحيحة للجزء الأغلب منها وفى كل الحالات تركنا الاسم بالإسبانية كما أورده المؤلف.
- الشخصيات الروائية أو الثانوية لم نبذل فيها جهداً مماثلاً، وقمنا بتعريب الأسماء على ضوء الأسماء التى كانت شائعة فى الفترة التاريخية التى تجرى فيها الأحداث.
هناك ملاحظة أخرى تتعلق بأسماء الأعلام، فالمؤلف نفسه كان يكتب الاسم بأكثر من طريقه، مما وضعنا فى حيرة، إذ كنا نخشى أن يتعلق الأمر بمكانين مختلفين، أحدهما قرية صغيرة غير مشهورة، وبالتالى فقد آثرنا أن نكتب الاسم كما ورد فى النص الأصلى، إيمانا منا بأن الباحث المدقق سيكون بإمكانه رصد أخطاء المؤلف الناتجة عن السهو.
سيلاحظ القارئ بونا شاسعا بين رواية الأحداث هنا، وبين رواية الأحداث عند أورتادو دى ميندوثا من حيث دقة العرض وموقف "المؤرخ". كان علينا أن نضع أمام القارئ العربى وجهة نظر أخرى حتى تتكون لديه صورة كاملة عن رؤية الإسبان لما حدث بعد سقوط غرناطة. نحن هنا إزاء "شأن داخلى" إسبانى، لا نملك وثائقه إلا فيما ندر، ولكى نعرف ما حدث ليس أمامنا سوى أن نقرأ ما كتبه مؤلفون اختلفت روايتهم للأحداث. لعل هذا يبرر صدور هذا الكتاب عن المركز القومى للترجمة.
والحمد لله الذى بنعمته تتم الصالحات
جمال عبد الرحمن
مدينة نصر فى بداية عام 1430/ 2009