تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وقد نقل فؤاد سزكين في كتابه «تاريخ التراث العربي» عن الحسن بن بشر الآمدي عناوين ستين ديوانًا من دواوين القبائل في العصر الجاهلي، منها ديوان أو كتاب جهينه، وقد ذكر عبدالكريم الخطيب في كتابه «شعراء ينبع وجهينه» من هؤلاء الشعراء عبدالشارق بن عبدالعزي الجهني .. أورد له «أبو تمام» قصيدة له في ديوانه «الحماسة» وأيضًا الشاعر هلال بن سدوس الجهني، وحسبنا ما ذكرناه منهم علي سبيل الاستشهاد لا الحصر.

أما الكاهن، فقد كان يعتمد علي تسخير الإله حينما يعرض عليه الناس، وقد أسلفنا دور جهينه في هذا المقام، ويجب ان نضيف إلي لائحة حياة جهينه الاجتماعية الاعتقاد بالجن، الذي عرف في بعض نواحي بلاد العرب قبل الإسلام، وكان معتقدوها يزعمون أن المواضع التي تصيبها الكوارث تكون بعد هلاكها مواطن للجن، وأن الجن تختار الأماكن الموحشة المقفرة البعيدة عن الناس، وعلي الرغم من كون الجن أرواحًا غير منظورة، فإنهم اعتقدوا بإمكان رؤيتها ومخاطبتها، وتتمثل عندهم في الغالب بأشكال حيوانات ذات شعر كثيف، وقد تصور المؤمنون بالجن أن الحيات هي بنات الجن، وأنها إحدي عشائرها المهمة، وذهبت مخيلتهم إلي أبعد من ذلك، فجعلوا بينها وبين الله نسبًا، وليس أدل علي اشتهار جهينه بالاعتقاد بالجن، مما ذكره الدكتور جواد علي في كتابه «المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام» .. ان العرب ضربوا المثل بحديث «خرافة» وزعموا أن رجلاً من جهينه سبته الجن، وطالت معاشرته لهم، فإذا استرقوا السمع أخبروه بما تحصل لديهم، فيخبر أهل الأرض فيجدونه كما قال .. وقيل استهوته الجن واختطفته ثم رجع إلي قومه .. فكان يحدث بما رأي ويعجب منها الناس فكذبوه .. فجري علي ألسنة الناس وقالوا هذه خرافة، ويقال أيضًا للخرافات الموضوعة من حديث الليل حديث خرافة.

وإذا نحن تركنا الجن، وتابعنا رحلتنا في حياة جهينه الاجتماعية، فلابد أن نتوقف عند «الفأل والطيرة» فقد آمن بهما الجهنيون شأنهم شأن قبائل العرب الأخري، تطيروا بقرائة أحشاء الحيوانات وبخاصة الكبد، واشتهر عندهم التطير بالمرأة، كانوا في اعتقادهم يتغلبون علي شؤم المرأة وعتبة الدار بالذبائح، وكانوا يتشاءمون أيضًا من بعض الطيور والحيوانات ومن أهمها البوم والغراب والحيوانات ذات العاهات .. وكانوا يتطيرون من الثور مكسور القرن والحية والثعلب .. ومن ناحية أخري كانوا يتفاءلون بالهدهد، فهو عندهم آية اليمن وسبيل الهداية .. وبإجمال، كانوا يعتقدون أن الطيرة والفأل مكتوبان علي الإنسان، وأن حياته ومصيره مقرران.

وبالرغم من أن النبي قد نهي عن التطير بقوله: «أقروا الطير علي مكناتها، ولا تطيروها ولا تزجروها» .. إلا أن الطيرة ظلت سائدة بعد الإسلام، وماتزال حتي يومنا هذا، فقد حكي أن عمر بن الخطاب خرج إلي حرة فلقي رجلاً من جهينه فقال له: ما اسمك، قال شهاب، قال ابن من، قال ابن جموة .. قال وممن أنت، قال من الحرقة .. قال ثم ممن، قال من بني ضرام .. قال وأين منزلك، قال بحرة ليلي .. قال وأين تريد، قال لظي «وهو موضح» فقال عمر إدرك أهلك فما أراك تدركهم إلا وقد احترقوا .. قال فأدركهم وقد أحاطت بهم النار».

وقد ينبغي أن نضيف إلي ما سبق، ما أطلعنا عليه الدكتور شكري فيصل في كتابه «المجتمعات الإسلامية في القرن الأول الهجري» استنادًا إلي المسعودي في الفصل الذي عقده عن التاريخ عند العرب والحوادث التي كانوا يؤرخون بها في كتابه «التنبيه والإشراف» علي حركة مستمرة متلاحقة تطبع الحياة العربية، وتدل علي ما كان من نشاطها الحيوي وصلاتها الدائبة فيقول: تنقل أبناء إسماعيل وأرخ بنو إسماعيل من بناء البيت، حين بناه إبراهيم وإسماعيل، فمازالوا يؤرخون بذلك حتي تفرقت معد، وكان كلما خرج قوم من تهامة أرخوا خروجهم، ومن بقي بتهامة من بني إسماعيل يؤرخون بخروج آخر من خرج منهم من قضاعة وهم: سعد ونهد وجهينه، حتي مات كعب بن لؤي فأرخوا من موته إلي عام الفيل.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير