تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وثمة ملمح مشترك تتقاسمه غاليبة القبائل العربية في شبه الجزيرة العربية في العصر الجاهلي، وذلك هو «أحوال الأسرة» وسدي هذا الملمح ولمحته، أن الزواج الذي كان سائدًا يومئذ، هو ذلك النوع الطبيعي الذي يتماشي مع الحاجات الاجتماعية الأساسية للإنسان والسلوك الفطري له، وقد أقره الإسلام بعد أن قام بتهذيبه ووضع الضوابط التي تحكمه.

وأقرب الاحتمالات في ظننا أن تقول بأن المرأة الجهينية قد كانت أبية تحب الفروسية، وتفتخر بأمجاد البطولة في الحروب، تثير الحماسة وتلهب الحمية، وقد اشتهرت منهن سعدي بنت الشمردل الجهينية» الشاعرة الجاهلية التي اشتهرت بقصيدة في رثاء أخ لها قتله بنو بهز من سليم بن منصور .. وهي الزوجة الفاضلة، والأم صانعة الأبطال، لا ترضي عن ترك عشيرتها وبيت أبيها إلا للارتباط بالفارس الكامل، لقد كانت شجاعة باسلة تتبع رجال القبيلة إلي ميادين القتال تضمد الجراح وتحمل الماء لتسقي المحاربين، وقد شاركت الرجل نكبات الدهر، وتحملت مسؤليتها نحو بيتها وأساتها، فكانت المرأة الحرة تقوم ببعض الأعمال قضاء للواحب ودفاعًا للملل، ومن أشهر أعمالهن غزل أصواف الغنم وأوبار الإبل، وقد وجدن في ذلك منفعة للأسرة وأداة لهوهن، أما رجال القبيلة، فقد اشتهر عنهم في عهودهم الجالية، المروءة وعلو الهمة والوفاء بالعهود، والشجاعة والفروسية والكرم منقطع النظير، فلم تكن خصلة عندهم تفوق الكرم وإغاثة البائس الفقير، كما اشتهروا بالحلم وهو الصفح عند المقدرة، كما اتصفوا بالتسامي عن الدنايا والنقائض، والعفة والوفاء بالعهود وكراهة الغدر، وقد ارتفعوا في الوفاء بالعهد إلي قدسية الدين.

أما عن علاقة جهينه السياسية بقبائل الحجاز، فمن الحقائق المتواترة ان العلاقة بين جهينه وقريش كانت قد توثقت بقيام تعاون سياسي بينهما في العصر الجاهلي الأخير، نتيحة العلاقات الاجتماعية والاقتصادية، واستمر التعاون بينهما قائمًا، لذلك بقيت علي الحياد في الصراع الذي دار بعد الهجرة بين مكة والمدينة، بيد أن جهينه كما يذكر الدكتور عبدالرحمن الطيب الأنصاري في كتابه «الجزيرة العربية في عصر الخلفاء الراشدين» قد وادعت النبي ثم تحولت إلي الإسلام بعد غزوة الأحزاب، ويحدثنا المؤرخون أيضًا أن جهينه كانت حليفة للخزرج من أهل المدينة قبل الإسلام، وحاربت معهم ضد الأوس وحلفائهم يوم «بعاث» وهو موضع من نواحي المدينة، كانت به وقائع كثيرة بين الأوس والخزرج في الجاهلية.

حياة جهينه الاقتصادية:

كانت جهينه قبل بزوغ فجر الإسلام تنقسم إلي بدو وحضر، والحضر أقاموا في عدة مناطق منها ينبع وقرية الصفراء، والبدو أقاموا في رضوي وغرور «أسماء جبال في تهامة» وغيرها، وهناك اشارات تحملها النصوص والروايات العربية، تشير إلي أن وسائل معيشة الجهنيين، كانت تتفق وطبيعة البادية، فكانوا يقومون في حياتهم علي رعي الإبل والأغنام، والانتقال بها وراء الكلأ والماء، والاستكانة بالنهار والسير بالليل علي هدي النجوم، التي كانوا يرقبونها ويطلقون عليها أسماء مختلفة منذ الزمن البعيد، وكان الإبل هو الحيوان العزيز الذي اتخذه الإنسان في مثل هذه البيئة، فيأكل لحمه ويشرب لبنه، ويصنع من شعره مسكنه وأثاثه ومتاعه وملابسه .. وكذلك كانت جهينه تستخدم الجياد واشتهرت بتربيتها، ويذهب المؤرخون ومنهم «النويري» في كتابه «نهاية الأرب في فنون الأدب» وعبدالرحمن زكي في كتابه «الخيل في السلم والحرب عند العرب» ان من أسماء خيول رسول الله «صلي الله عليه وسلم» واحدة باسم «السبحة» وكانت فرسًا شقراء ابتاعها النبي من أعرابي من جهينه بعشر من الإبل .. وسابق عليها يوم خميس، ومد الحبل بيده ثم خلي عنها وسبح عليها، فأقبلت الشقراء حتي أخذ صاحبها العالم، وهي تنير في وجوه الخيل، فسميت سبحة من قولهم فرس سابح إذا كان حسن مد اليدين في الجري.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير