وأطنب أيضًا في الثناء على مصنفاته التاريخية جمع من أهل العلم، منهم: الحافظ الخطيب جمال الدين محمد بن عبدالله بن ظهيرة القرشي (ت817هـ)، والحافظ أبو زرعة أحمد بن عبدالرحيم العراقي (ت826هـ)، وأديب اليمن القاضي ابن المقرئ شرف الدين إسماعيل بن أبي بكر (ت837هـ)، والعلامة ابن الوزير محمد بن إبراهيم الحسني (ت840هـ)، وغيرهم (11).
ومن أشهر كتبه التاريخية في سير الأعلام وأتقنها كتابه: «العقد الثمين في تاريخ البلد الأمين»، قال الدكتور الهيلة (معاصر): «العقد الثمين، يُعتبر هذا الكتاب أكبر تآليف الفاسي التاريخية، جمع فيه تراجم المكيين من أقدم عصور التاريخ الإسلامي إلى عهده» (12)، وقال الدكتور فهد الدامغ (معاصر): «العقد الثمين، هو أكبر مؤلفات الفاسي من حيث الحجم، بل هو أكبر المؤلفات في تاريخ مكة، وفي الوقت يُعد هذا الكتاب من أهم مؤلفات الفاسي، ومن أهم المؤلفات في تاريخ مكة، وتراجم أهلها إن لم يكن أهمها على الإطلاق، ولقد انتفع المعاصرون للفاسي، وكذلك من جاؤا بعده، ولا زالوا ينتفعون من كتابه هذا الذي تميز بالأصالة والشمول، والعمق، وسد به نقصًا في تاريخ أشرف بقاع الأرض مكة المكرمة» (13).
عناية الحافظ تقي الدين الفاسي بأنساب أشراف الحجاز الحَسنيين بمكة:
تقدم في سيرة الحافظ تقي الدين الفاسي السابقة عنايته الفائقة والباهرة بتاريخ مكة وأخبار أعلامها بشهادة العلماء؛ وقد تبين لي أن الحافظ الفاسي من أتقن وأضبط العلماء لأنساب أشراف الحجاز الحَسنيين من خلال استقراء كتب الأنساب والتاريخ الذي قارب العشرين سنة، لمعرفة أخبار وأنساب أشراف الحجاز الحَسنيين، وخاصة أشراف مكة، وقد لمست هذه العناية والإتقان في كتابه»:العقد الثمين في تاريخ البلد الأمين».
إلمام الحافظ الفاسي ومعرفته القوية بأنساب وتاريخ أشراف الحجاز لا مثيل لها بين مؤرخي مكة، وهذا الإلمام استفاده من:
أولاً: من إطلاعه على كتب الأنساب، من ذلك: كتاب: «جمهرة نسب قريش وأخبارها» للزبير بن بكار القرشي (ت256هـ)، وقد اعتمد عليه الحافظ الفاسي اعتمادًا كبيرًا، فرجع له في «العقد الثمين» في مئتين وخمس وثلاثين موضعًا (14)؛ وكتاب: «أنساب الطالبيين» لشيخ الشرف العبيدلي محمد بن محمد (ت437هـ) (15)؛ وكتاب: «جمهرة أنساب العرب» لابن حزم علي بن أحمد الأندلسي (ت456هـ)، وقد اعتمد عليه الحافظ الفاسي في ثمانية وأربعين موضعًا في «العقد الثمين» (16)؛ وكتاب: «التبيين في أنساب القرشيين» لابن قدامة عبدالله بن أحمد (ت620هـ)، وقد اعتمد عليه الحافظ الفاسي في ثمانية وثلاثين موضعًا في «العقد الثمين» (17)، وكتاب: «اللباب في تهذيب الأنساب» لابن الأثير علي الجزري (ت630هـ) (18).
ثانيًا: من اطلاعه الواسع على تواريخ مكة، والشواهد الحجرية التي على قبور الأعلام (19)، ورواية الثقات، وغيرها، قال الحافظ الفاسي (ت 832هـ) في تعريفه لموارد كتابه: «العقد الثمين»: «بعضه من كتب التاريخ التي نظرتها لأجل التراجم، وبعضه من أحجار ورخام وأخشاب مكتوب فيها ذلك ثابتة في بعض الأماكن المشار إليها، وبعضه علمته من أخبار الثقات، وبعضه شاهدته» (20).
وقد استفاد الحافظ الفاسي من مئة وتسعة شاهدًا حجريًا في إثراء مادة تراجمه (21)، وتعد الشواهد الحجرية التي على قبور الأعلام والمكتوب فيها أنساب الأعلام أقوى حجة من كتب الأنساب، لسلامتها من تحريفات الرواة والنساخ.
ثالثًا: أنه شريف حسني (22)، ويغلب على الأشراف حفظهم لأنسابهم، قال العلامة المؤرخ عاتق البلادي ?الحربي (معاصر): «الأشراف، ?بعضهم ?يحفظ هذا النسب فلان بن فلان إلى علي ?وفاطمة عليهما رضوان الله» (23).
رابعًا: قربه من أمير مكة، لأن أخته لأبيه أم هاني بنت الشريف أحمد بن علي بن أبي عبدالله محمد بن محمد بن عبدالرحمن الحسني الفاسي، كانت زوجة لأمير مكة الشريف حسن بن عجلان وأنجبت منه (24)؛ فهذه المصاهرة قربته من أمير مكة وعرفته بأخباره وأخبار آله، والدليل على ذلك طول ترجمة الحسن بن عجلان التي بلغت تسعًا وستين صفحة في:» عقده الثمين» (25)، وهي أطول ترجمة في كتابه.
عودة إلى كتابه «العقد الثمين في تاريخ البلد الأمين»:
¥