تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

كتبت ما مضى بعدما قرأت كتاباً للأخ العزيز والجار السابق الكريم د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي جعل عنوانه (العصبية القبلية من المنظور الإسلامي) يقع في مائة وثمانين صفحة طبعته الأولى عام 1427ه، ووزع بإسراف منذ صبيحة يوم عيد الفطر المبارك 1427/ 10/1ه وبآلاف مؤلفة وكان الأجدر بالأخ الكريم ألا يتعجل بالكتابة في هذا الموضوع وأن يتريث وقتاً كثيراً في إخراجه حتى يجمع النصوص ويقارن بينها، وأن يناقش الأدلة من جميع الوجوه، من الإيجاب والمنع.

وإن مما حداني تكرارا على الكتابة ما قاله الأخ د. خالد في صفحة (31) (علمنا أن الأوعية الاجتماعية - القبائل والأنساب، كان كثير منها مبنياً على أساس غير صحيح، يدل لذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم (أخرجت من نكاح ولم أخرج من سفاح) وأن سلامة الأنساب وطهارتها لم تتضح ولم تكتمل إلا بالإسلام والإلتزام به، وعلمنا يقيناً أن الافتخار بالأنساب إنما هو دعوى جاهلية محضة).

ولي مع الأخ خالد في هذا النص وقفات:

(أ) ما هو الدليل القاطع الذي استند إليه بأن كثيراً من القبائل والأنساب مبني على أساس غير صحيح، فلعل دليلك ما ذكرته في الصفحة السابقة بأن عائشة أخبرت عروة رضي الله عنهما بأن النكاح في الجاهلية على أربعة أنحاء، وهذا ليس دليل على الأكثر ولكنه دليل على التنويع.

(ب) هل ورد نص صريح على أن أنساب الجاهلية ساقطة وأنها لا يثبت بها الانتساب، أكاد أجزم أن ليس هناك دليل وأعوذ بالله أن يثبت، وإلا فلماذا نسب الرسول صلى الله عليه وسلم نفسه وقال:-

أنا النبي لا كذب

أنا ابن عبدالمطلب

فأنت تعلم أخي خالد أن عبدالمطلب مات جاهلياً، فلو كان في نسبه شك لما افتخر الرسول به، ولذلك كل أصحابه على اختلاف أهل السير في تعدادهم ينسبون إلى آبائهم وأجدادهم الجاهليين.

(ج) المحرم في الشرع الفخر بالأحساب، أما معرفة النسب فلم يمنع من معرفته والسؤال عنه (ولكن الإسلام لم يجعل الأنساب ما كان لها من شأن في الجاهلية من حيث المفاخرة بها، بل جعل التقوى مفخرة للإنسان (إن أكرمكم عند الله أتقاكم) فحلت التقوى محل حمية الجاهلية وفخرها بالآباء، وأصبح الأكرم هو الأتقى، ولكن ذلك لم يمنع المسلمين الأولين من الافتخار بأنسابهم والحفاظ عليها، حتى أن الرسول الكريم الذي نادى في خطبة الوداع (إن مآثر الجاهلية موضوعة ألا فلتذهب نخوة الجاهلية وفخرها بالآباء) كان نفسه حريصاً على حفظ الأنساب ولذلك قال: أنا ابن عبدالمطلب، وكان يفخر بقومه فيقول (نحن بنوا النضر بن كنانة) ثم يذكر صلى الله عليه وسلم بأن الله جعل العرب بيوتاً (فجعلني في خيرهم بيتاً) بل كان يخشى أن يلوث نسبه، فقد استأذنه حسان في هجاء المشركين فقال له: كيف بنسبي قال حسان لأسلنك منهم كما يسل الشعر من العجين، ورغم هذه الدعوة الصريحة التي جاء بها القرآن، إلى الافتخار بالتقوى فإن الرسول صلى الله عليه وسلم حض على تعلم الأنساب وحفظها فقال: (تعلموا من أنسابكم ما تصلون به أرحامكم) فجعل غاية التعلم صلة الأرحام وليس التفاخر بالأحساب، ودعا إلى التمسك بها والابتعاد عن ادعائها، فقال صلى الله عليه وسلم (ليس رجل ادعى لغير أبيه وهو يعلمه إلا كفر بالله، ومن ادعى قوماً ليس له فيهم نسب فليتبوأ مقعده من النار) فكان الناس في صدر الإسلام يتعلمون الأنساب كما يتعلمون الفقه) (6)، وكانوا إذا قصدوا سعيد بن المسيب للتفقه في الدين، قصدوا عبدالله بن ثعلبه ليأخذوا عنه الأنساب، كما ذكره ابن عبدالبر في الانباه)

فالاعتبار بالقبائل والفخر بالانتساب إليها كان معمولاً به في العهد النبوي، فكان صلى الله وسلم يوزع الجيش على حسب القبائل فيجعل الميمنة لقبيلة كذا والميسرة لقبيلة كذا وهو من باب التحفيز وشحذ الهمم، (وما فرض عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهم الديوان إذ فرضوه إلا على القبائل، ولولا علمهم بالأنساب ما أمكنهم ذلك) (7) وقد استمر العرب في حفظهم لأنسابهم في عهد بني أمية بل وليس ذلك قاصراً على الإنسان بل نجد ذلك واضحاً في تنسيبهم لخيلهم ولإبلهم بل ومزروعاتهم ولهم في ذلك أشعار وآثار معروفة، أما في عهد بني العباس فقد اتسعت رقعة بلاد الإسلام، وانتشر في بلاد أهلها من ليس من العرب واختلط من صفا نسبه من العرب الفاتحين بكثير ممن لا نسب لهم من

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير