تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ذكر طلبه ورحلته: أخذ سحنون العلم بالقيروان من مشايخها: أبي خارجة وبهلول وعلي بن زياد وابن أبي حسان وابن غانم وابن أشرس وابن أبي كريمة وأخيه: حبيب ومعاوية الصمادحي وأبي زياد الرعيني ورحل في طلب العلم في حياة مالك وهو بن ثمانية عشر عاماً أو تسعة عشر وكانت رحلته إلى بن زياد بتونس وقت رحلة بن بكير إلى مالك.

قال سحنون: كنت عند بن القاسم وجواباته ترد عليه فقيل له: فما منعك من السماع منه؟ قال: قلة الدارهم وقال مرة أخرى: لحا الله الفقر فلولاه لأدركت مالكاً فإن صح هذا فله رحلتان. وسمع من بن القاسم وابن وهب وأشهب وطليب بن كامل وعبد الله بن عبد الحكم وسفيان بن عيينة ووكيع وعبد الرحمن بن مهدي وحفص بن غياث وأبي داود الطيالسي ويزيد بن هارون والوليد بن مسلم وابن نافع الصائغ ومعن بن عيسى وابن الماجشون ومطرف وغيرهم. وانصرف إلى إفريقية سنة إحدى وتسعين ومائة.

قال سحنون: سمع مني أهل أجدابية سنة إحدى وتسعين وفيها مات بن القاسم قال: وخرجت إلى بن القاسم وأنا بن خمس وعشرين وقدمت إلى إفريقية بن ثلاثين سنة وأول من قرأ علي عبد الملك بن زونان.

قال أبو العرب: كان سحنون ثقة حافظاً للعلم فقيه البدن اجتمعت فيه خلال قلما اجتمعت في غيره: الفقه البارع والورع الصادق والصرامة في الحق والزهادة في الدنيا والتخشن في الملبس والمطعم والسماحة.

وكان لا يقبل من السلطان شيئاً وربما وصل أصحابه بالثلاثين ديناراً أو نحوها. ومناقبه كثيرة وكان مع هذا رقيق القلب غزير الدمعة ظاهر الخشوع متواضعاً قليل التصنع كريم الأخلاق حسن الأدب سالم الصدر شديداً على أهل البدع لا يخاف في الله لومة لائم وسلم له الإمامة أهل عصره واجتمعوا على فضله وتقديمه.

سئل أشهب عمن قدم إليكم من أهل المغرب؟ قال: سحنون قيل له: فأسد؟ قال: سحنون والله أفقه منه بتسع وتسعين مرة. وقال أيضاً: ما قدم إلينا من المغرب مثله وقال بن القاسم: ما قدم إلينا من إفريقية مثل سحنون قال أبو زيد بن أبي الغمر: لم يقدم علينا أفقه من سحنون إلا أنه قدم علينا من هو أطول لساناً منه يعني بن حبيب. وقال يونس بن عبد الأعلى: هو سيد أهل المغرب فقال له حمديس: أو لم يكن سيد أهل المغرب والمشرق؟.

أخذ سحنون من بن وهب مغازيه إجازة وكان العلم في صدر سحنون كسورة من القرآن من حفظه وقال سحنون: إني حفظت هذه الكتب حتى صارت في صدري كأم القرآن وقال بن القاسم: إن أسعد أحد - بهذه الكتب - لسحنون. وقال بن وضاح: كان سحنون يروي تسعة وعشرين سماعاً وما رأيت في الفقه مثل سحنون بالمشرق.

وقال بن حارث: قدم سحنون بمذهب مالك واجتمع له مع ذلك فضل الدين والعقل والورع والعفاف والانقباض فبارك الله فيه للمسلمين فمالت إليه الوجوه وأحبته القلوب وصار زمانه كأنه مبتدأ قد انمحى ما قبله فكان أصحابه سرج أهل القيروان وأنبه علمائها وأكثرهم تأليفاً وابن عبدوس فقيهها وابن غافق عاقلها. وابن عمر حافظها وجبلة زاهدها وحمديس أصلبهم في السنة وأعداهم للبدعة وسعيد بن الحداد لسانها وفصيحها وابن مسكين أرواهم للكتب والحديث وأشدهم وقاراً وتصاوناً كل هذه الصفات مقصورة على وقتهم.

قال محمد بن سحنون قال أبي: إذا أردت الحج فاقدم طرابلس وكان فيها رجال مدنيون ثم مصر وفيها الرواة ثم المدينة - وفيها مالك ثم مكة واجتهد جهدك فإن قدمت علي بلفظ خرجت من دماغ مالك ليس عند شيخك أصلها فاعلم أن شيخك كان مفرطاً.

وقال سليمان بن سالم: دخلت مصر فرأيت بها العلماء متوافرين: عبد الحكم والحارث بن مسكين وأبا الطاهر وأبا إسحاق والبرقي وغيرهم ودخلت المدينة وبها أبو المصعب والفروي ودخلت مكة وبها ثلاثة عشر محدثاً ودخلت غيرها من البلدان ولقيت علماءها ومحدثيها فما رأيت مثل سحنون وابنه بعده.

وقال عيسى بن مسكين: سحنون زاهد هذه الأمة ولم يكن بين مالك وسحنون أفقه من سحنون وقال بعضهم: ما رأيت أحداً أهيب من سحنون وقال الشيرازي: إليه انتهت الرئاسة في العلم بالمغرب وعلى قوله المعول بالمغرب وصنف المدونة وعليها يعتمد أهل القيروان وحصل له من الأصحاب ما لم يحصل لأحد من أصحاب مالك وعنه انتشر علم مالك بالمغرب.

قال أبو علي بن البصير: سحنون فقيه أهل زمانه وشيخ عصره وعالم وقته قال بن حارث: كان سحنون أفضل الناس صاحباً وأعقل الناس صاحباً وأفقه الناس صاحباً وكانت هذه الصفات صفات سحنون فخلق بها أصحابه رحمهم الله تعالى.

ذكر ولايته القضاء وسيرته: ولي سحنون قضاء إفريقية سنة أربع وثمانين ومائتين - وسنه إذ ذاك أربع وسبعون سنة فلم يزل قاضياً إلى أن مات ولما ولي القضاء دخل على ابنته خديجة وكانت من خيار النساء فقال لها: اليوم ذبح أبوك بغير سكين فعلم الناس قبوله القضاء.

وقال: حدثني بن وهب ورفع سحنون سنده إلى النبي قال: " نعم المطية الدنيا فارتحلوها فإنها تبلغكم الآخرة ". وكان سحنون لا يأخذ لنفسه رزقاً ولا صلة من السلطان في قضائه كله ويأخذ لأعوانه وكتابه وقضاته من جزية أهل الكتاب وقال للأمير: حبست أرزاق أعواني وهم أجراؤك وقد وفوك عملك ولا يحل ذلك لك وقد قال رسول الله: " أعطوا الأجير حقه قبل أن يجف عرقه ".

وكان يضرب الخصوم إذا أذى بعضهم بعضاً بكلام أو تعرضوا للشهود ويقول: إذا تعرض للشهود كيف يشهدون؟ ويؤدب الخصم إن طعن على الشاهد بعيب أو تجريح أو يقول: سل لي عن البينة إنهم كذا حتى يسئله عن تجريحه ويقول للخصم: أنا أغنى بذلك منك وهو علي دونك.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير