تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وكان يتورع من المرور في رواق الجامع الذي فيه حلقة الحنابلة خوفاً من أن يأثموا في الوقيعة فيه، وذلك أن الجهال منهم والعوام كانوا يبغضون شيوخ بني عساكر لأنهم كانوا أعيان الشافعية الأشعرية، فكان إذا دخل الجامع من باب البريد يمر في صحن الجامع أو في الرواق الأوسط إلى المقصورة وكذا إذا خرج منها أو قام من إسماع الحديث تحت النسر ينعطف ويخرج من باب البرادة ويقول لمن يسأله عن ذلك: يا ولدي أخاف أن يأثموا بسببي.

وبلغني عنه أنه كان يقول: من طلب من غيره مالاً يعطيه من نفسه فهو داخل في المطففين الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون، وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون. وهذا كلام في غاية الجودة.

وكان العادل لما أمر ببناء مدرسته (21) المشهورة قد عزم على أنها تكون للشيخ الفخر، واتفق أن العادل توفي قبل كمال عمارتها، وكان ابنه المعظم حنفي المذهب وكان في نفسه من الشيخ الفخر لما أنكر عليه إظهار الخمور (22) وتضمينها فتركه، حتى حج في ولايته فأخذ منه المدرسة التقوية، وأخذت منه قبل ذلك الناصرية بالقدس، ولم يبق بيده إلا الجاروخية على نزر ما فيها، ثم لما تكاملت العادلية فوضها إلى قاضيه الجمال المصري (23) وتركه، فسبحان من جعل فيه أفضل أسوة وعمدة لمن ظلم من المشايخ والفضاء بعده.

قال (أبو المظفر) سبط (ابن الجوزي): ولد /99ب/ الفخر سنة خمسين (24) وخمسمائة. وكان زاهداً عابداً ورعاً منقطعاً إلى العلم والعبادة، شيخاً حسن الأخلاق، وقليل الرغبة في الدنيا. وكانت وفاته يوم الأربعاء عاشر رجب سنة عشرين وستمائة، ودفن على الشرف القبلي قرب الصوفية شرقاً، وكانت له جنازة عظيمة. وقبره ظاهر يزار، وصلى عليه الملك العزيز ابن العادل، ولم يتخلف عن جنازته إلا القليل. سمع عميه أبا القاسم الحافظ، والصائن هبة الله، والقطب النيسابوري وغيرهم.

قلت: أخبرني من حضر وفاته قال: صلى الظهر يوم توفي، ثم جعل يسأل عن العصر فقيل له: لم يقرب وقتها، فدعا بماء فتوضأ ثم تشهد وهو جالس وقال: رضيت بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد نبياً، لقنني الله حجتي وأقال عثرتي ورحم غربتي ووحدتي. ثم قال: وعليكم السلام، فعلمنا أنه حضرته الملائكة حينئذ وسلموا عليه، ثم انقلب على قفاه ميتاً وغسله الفخر بن المالكي ومعه ابن أخيه عبد الوهاب بن زين الأمناء. وكان قد اجتهد في مرضه في تملك المكان الذي دفن فيه من مستحقيه، وحفر له القبر وهو حي. وكان مرضه بالإسهال.

وكانت (وفاته) آخر يوم الأربعاء واحتشد الناس من الغد لجنازته وخرجوا به من المدرسة الجاروخية على باب البريد إلى الجامع، فإذا الناس بالجامع كهيئتهم يوم الجمعة فوضعت الجنازة ملاصقة الحائط القبلي قرب اللازوردة، وتقدم للصلاة عليه (أخوه) لأبويه أبو البركات الحسن (بن محمد بن هبة الله) المعروف بزين الأمناء، ثم خرجوا بالجنازة إلى ناحية الميدان الأخضر بالشرف القبلي، وقد امتلأت الطرق بالناس، ومن ذا الذي قدر على الوصول إلى حمل سريره!؟ ولولا كان الأمير عز الدين ايبك صاحب صرخد أستاذ دار المعظم مع أصحابه وأجناد الملك العزيز بن العادل دائرين حول سريره بالدبابيس والعصي يمنعون الناس من قربه لتعذر وصوله إلى حفرته في يومه. وقبره على يسار المار (مغرباً) في طريق الشرف القبلي مقابل رأس الميدان الأخضر قبل الوصول إلى قبر شيخه قطب الدين النيسابوري بقليل، وجعل على قبره بلاطة فيها اسمه وتاريخ وفاته يقرؤها من كان خارج الشباك رحمه الله.

(12)

الحسن بن محمد بن الحسن بن هبة الله بن عبد الله، زين الأمناء، أبو البركات، ابن عساكر، الدمشقي أحد أئمة الإسلام، علماًُ وديناً وورعاً وزهداً.

ولد في سلخ ربيع الأول سنة أربع وأربعين وخمسمائة، وسمع من عبد الرحمن بن الحسن الداراني، وأبي العشائر محمد بن خليل، وعمه الصائن هبة الله، والحافظ أبي القاسم، وأبي القاسم الحسن بن الحسين بن البُن، والخضر بن شبل الحارثي، وأبي النجيب السهروردي وخلائق.

روى عنه البرزالي، والحافظ الزكي المنذري، والكمال بن العديم، والزين خالد، والشرف النابلسي، واحمد بن هبة الله بن عساكر وأحمد بن إسحاق الأبَرْقُوهي وغيرهم.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير