تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الله. قال: غفر الله لك. اذهب إلى حال سبيلك.

حرص الرشيد على رفع الظلم عن الرعية: يقول أبو يوسف القاضي في مقدمة كتابه الخراج مخاطباًَ الرشيد: إن أمير المؤمنين أيده الله تعالى، سألني أن أضع له كتاباً جامعاً يعمل به في جباية الخراج والعشور والصدقات والجوالي، وغير ذلك مما يجب النظر فيه والعمل به، وإنما أراد ذلك لرفع الظلم عن رعيته والصلاح لأمرهم. وقد كتبت لك ما أمرت به وشرحته لك وبينته، فتفقهه وتدبره، وردد قراءته حتى تحفظه، وكتبت لك أحاديث حسنة، فيها ترغيب وتحضيض على ما سألت عنه، مما تريد العمل إن شاء الله.

وفي هذا شهادة صادقة على اهتمام هارون الرشيد فيما يجب عليه فهمه، وكان يردد في مناسبات كثيرة قوله: إنه يقبح بالسلطان أن لا يكون عالماً. لقد كتب القاضي أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم الأنصاري رسالته المعروفة باسم (الخراج)، وهي لا تقف عند الخراج وحده. بل تتحدث عن رسالة الحاكم وحدوده الملزمة في شريعة الإسلام بما يعمهم بالخزي في الدنيا، والعذاب في الآخرة، وقد علق الشيخ الخضري على هذا الكتاب بقوله: كان خليفة المسلمين فى هذا التاريخ خامس بني العباس هارون الرشيد، وكان قاضي قضاته أبا يوسف، وقد أحب أن يسود العدل بين أمته، وأن تنظم أمور الجباية على النمط المشروع الذي سنه رسول الله صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين من بعده، حتى لا يقع حيف على الرعية فيثقل الجور كاهلهم ويخرب عمرانهم، وحتى يكون بيت المال قائماً بما يجب عليه من معالم الأمة وحفظ ثغورها وتأمين طرقها، ثم قال الخضري: لم يكن أبو يوسف في رسالته ذلك الفقيه الجاف الذي هو في خيال الكثير منا يكتب جوابه مبتوراً منقولاً عن مسطر سبق به أو ذلك المفتي الضعيف، ينظر إلى غرض المستفتي فيجتهد أن تكون فتواه طبق رغبته، بل كان ذلك العالم الناصح الذي سبر الأمة فعرف ما يصلحها وأدرك طرفاً من الشدة ولا استعفاء من غير أن يظلموا أو يحملوا ما لا يجب عليهم، واللين للمسلم والغلظة على الفاجر، والعدل على أهل الذمة وإنصاف المظلوم والشدة على الظالم والعفو عن الناس.

وقال أيضاً: فلا يحل للإمام ولا يسعه أن يقطع أحداً من الناس حق مسلم ولا مجاهد ولا يخرج من يده شيئاً إلاّ بحق يجب له عليه فيأخذه بذلك الذي وجب عليه فيقطعه من أحب من الناس فذلك جائز له.

ووضع أبو يوسف مبدأ هاماً هو أنه: ليس للإمام أن يخرج شيئاً من يد أحد إلاّ بحق ثابت معروف: وفي عبارة بليغة يقول أبو يوسف أن الرعاة مؤدون إلى ربهم ما يؤدي الراعي إلى ربه، فأقم الحق فيما ولاك الله وقلدك ولو ساعة من نهار.

ويحذر أبو يوسف الحاكم من عدم مراعاة الحقوق بقوله: فلا تلقَ الله غداً وأنت سالك سبيل المعتدين فإت ديان الله يوم الدين إنما يدين العباد بأعمالهم ولا يدينهم بمنازلهم: ويبين أبو يوسف أساس ذلك بقوله: وإن الله بمنه ورحمته جعل ولاة الأمر خلفاء في أرضه وجعل لهم نوراً يضيء للرعية ما أظلم عليهم من الأمور فيما بينهم وبين ما أشتبه من الحقوق.

وهكذا جعل قاضي قضاة هارون الرشيد مراعاة حقوق الناس وعدم ظلمهم بمثابة (النور) الذي يضيء للحاكم سبيله ومسالكه، فأين حكام هذا الزمان من هذا البيان، وإن انتهاك حقوق الناس ظلام فى الدنيا وهم وغم وسوء مآل فى الآخرة.

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير