الكشناوي في: (مفتاح القاري شرح سراج البخاري للحافظ عبدالله فودي الفلاني: 126) في فصل في معلقات صحيح البخاري:
{وأما الموقوفات فإنه يجزم منها بما صح عنده ولو لم يكن على شرطه ولا يجزم بما كان في إسناده ضعف أو انقطاع إلا حيث يكون منجبرا إما بمجيئه من وجه آخر وإما بشهرته عمن قاله} وهو جزء نفيس على لطافة حجمه.
وينظر كذلك ألفية الأثر للزين العراقي في حكم الصحيحين والتعليق. وهنا يتبين لك قيمة قولك: وذكرها - أي رواية أبي الشموس - أبوعلي الهجري في التعليقات والنوادر بدون إسناد ولا زمام يخطم هذه الرواية المبتورة، إلا أن يكون في حسبانك أن ما يعلقه أبوعلي الهجري مجزوم به فهذا شيء أخر يخصك، ولعله من جنس المقدمات التي ولدت تلك النتيجة التي تقول فيها: وهذه الرواية ثابتة لا مطعن فيها بحال. وقد تبين لك قيمة هذه العبارة في ميزان النقد.
وأبو علي هارون بن زكريا الهجري لغوي أديب نسابة ليس من عنايته رواية الأحاديث والأخبار، مع أني أكد أجزم أن مصدره في ذلك هو محمد بن الحسن بن زبالة ولو لم يكن أبوعلي الهجري قد أدرك ابن زبالة فإن الحافظ ابن حجر ذكر في التقريب أنه مات قبل المئتين. وأبوعلي الهجري توفي قبل سنة ثلاثمئة هجرية، واستأنس لهذا الوجه بالدراسة التي قام بها د / صلاح الدين شكر، الباحث المتعاون في مركز بحوث ودراسات المدينة المنورة: أن كل المؤرخين الذين جاؤوا بعد ابن زبالة استقوا من مؤلفاته وأخذوا من كتبه.
أما ما نقلته في ضبط اسم عس العذري فطالع الكتاب الجليل: إكمال الكمال لابن ماكولا، الجزء السادس من صحيفة إلى صحيفة طبعة / دائرة المعارف العثمانية بتحقيق جمع من علماء الأحناف الذين لهم عناية بالحديث وعلومه، ومن ضمنهم ذهبي العصر / عبدالرحمن المعلمي، وانقل هنا خاتمة ما ذكره في باب: < عبثر وعنبر وعنتر وعتير وغنيثر وعنين وعش > حيث يقول الشيخ المعلمي {6/ 107}:
(وتقدم في رسم عنتر أن سليم بن مطير أيضا روى عن أبيه أيضا عن عس العذري قال: رأيت رسول الله غزا تبوك فصلى في مسجد وادي القرى) فخبر المسجد قد روي عن سليم بن مطير عن أبيه، ففي رواية عنه عن عس العذري، وفي أخرى عنه عن سليم بن عش العذري فلا يبعد أن يكون والد سليم هو ذاك الذي قيل فيه < عس > وقيل < عنتر > إلى غير ذلك مما مر .. الخ) فلا تأتينا يا أخ مصعب كل مرة باسم واحد من هؤلا وتدعي أنها رواية مستقلة، وأنا أعلم أنها مبثوثة في كتاب الإصابة للحافظ ابن حجر ولكن الحال ما قد عرفنا إياه المعلمي رحمه الله. و بهذا نأتي على نهاية الكلام بشأن الرواية و نرجوا أن يكون الكلام قد اتضح. وقد يستغرب البعض من هذا الدفع الشديد مع وجود المسجد المشار إليه فإن هذا قد يعتبر قرينة على صدق الإخبار الواردة في هذا الموضع، فالجواب: ليس هناك مزايدة في الكلام، ولا يمكن أن نجعله في حيز الإمكان مالم يقم عليه قائم البرهان، والأمر كما يقول ابن جرير الطبري في مقدمة تاريخه (1/ 5) خبر عن أمر ماض، والأخبار عن الأمور الماضية لا تصل إلى من لم يشاهدها إلا بإخبار مخبر دون الاستخراج بالعقل والإستنباط بالفكر.
بقي التنبيه على مسائل:
منها: ما نقلته عن الفيروز آبادي في كتابه: المغانم المطابة في معالم طابة، حيث ذكر قول عبدالله بن رواحة:
جلبنا الخيل من آجام قرح ¤
يغر من الحشيش له العكوم ¤
وهذا البيت قاله ابن رواحة في غزوة مؤتة مشجعا للناس على القتال، وبهذه الرواية ورد هذا البيت عند ياقوت في معجم البلدان، أما ابن هشام في سيرته (3/ 375) فإنه أعتمد في سياق البيت على نص الرواية التالية:
جلبنا الخيل من أجاء وفرع ¤
تغر من الحشيش له العكوم ¤
ثم قال ابن هشام بعد سياقة أبيات ابن روحة، ويروى: جلبنا الخيل من آجام قرح ¤
ولم يتعرض الإمام السهيلي لهذا الموضع في كتابه: الروض الأنف. وأنا أحيل في هذه القضية إلى كتاب: مدخل إلى تحقيق النص الشعري للدكتور / عبدالرحمن الوصيفي، حيث عقد فصلا قيما في هذا الكتاب سماه: (معايير ترجيح الروايات).
وأما نقلته: عن البشاري في كتابه < أحسن التقاسيم > فإني أشير هنا إلى موضع غير دقيق، وهو قوله: والجامع في الأزقة في محرابه عظم، قالوا: هو الذي قال للنبي صلى الله عليه وسلم لا تأكلني فأنا مسموم) وهذا الكلام ليس بصحيح فإن حادثة الشاة المسمومة حصلت في خيبر، قال الإمام البخاري في صحيحه، في كتاب: المغازي، 41 باب: الشاة التي سمت للنبي صلى الله عليه وسلم بخبير: حدثنا عبدالله عبدالله بن يوسف حدثنا الليث حدثني سعيد عن أبي هريرة قال: لما فتحت خيبر أهديت لرسول الله شاة فيها سم) وقال ابن هشام في سيرته {3/ 338): قال ابن إسحاق وحدثني مروان بن عثمان بن أبي سعيد بن المعلى، قال: كان رسول الله قد قال في مرضه الذي توفي فيه، ودخلت أم بشر بنت البراء بن معرور تعوده: {يا أم بشر، إن هذا الأوان وجدت فيه انقطاع أبهري من الأكلة التي أكلت مع أخيك بخيبر} ومعلوم أن وادي القرى لم يفتح إلا بعد خيبر.
والله الموفق.) انتهى