2 - حديث أبي سعيد بن المعلّى - رضي الله عنه - قال: كنتُ أصلي في المسجد، فدعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم أجبْه، فقلتُ: يا رسول الله! إني كنت أصلي فقال: {ألم يقل الله: {ا؟ سْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ} [الأنفال: 24] ثُمَّ قال لي: {لأعلمنك سورة هي أعظم السور في القرآن، قبل أن تخرج من المسجد}. ثُمَّ أخذ بيدي، فلما أراد أن يخرج قلتُ له: ألم تقل: {لأعلمنك سورة هي أعظم سورة في القرآن؟} قال: {الحمد لله رب العالمين، هي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته} (8).
3 - عن أبيّ بن كعب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {يا أبا المنذر، أتدري أيّ آية من كتاب الله معك أعظم؟} قال: قلتُ: الله ورسوله أعلم. قال: {يا أبا المنذر: أتدري: أتدري أي آية من كتاب الله معك أعظم؟} قال: قلتُ: {ا؟ للَّهُ لاَ إِلَـ! ــهَ إِلاَّ هُوَ ا؟ لْحَيُّ ا؟ لْقَيُّومُ ... } [البقرة: 255]، قال: فضرب في صدري، وقال: {والله، لِيَهْنِكَ العلمُ أبا المنذر}.
4 - وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - أن رجلاً سمع رجلاً يقرأ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} يرددها، فلما أصبح جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكر ذلك له - وكأنّ الرجل يتقالُّها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {والذي نفسي بيده إنها لتعدل ثلث القرآن} (9).
فدلت هذه النصوص، وغيرها على تفضيل كلام الله بعضه على بعض، وذلك حسب ما يدل عليه من المعاني، وهو مذهب جمهور السلف وأهل السنة) (10).
وقد فصّل شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - الكلام في هذه المسألة في رسالة له بعنوان: (جواب أهل العلم والإيمان بتحقيق ما أخبر به رسول الرحمن من أن {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} تعدل ثلث القرآن) (11)، وذكر أقوال العلماء في ذلك وأدلة كل قول مع المناقشة والترجيح، والتوجيه والتعليل بما يغني الناظر فيه عن الرجوع إلى غيره.
وقد قرر أن النصوص النبوية والآثار السلفية والأحكام الشرعية والحجج العقليَّة تدل على أن كلام الله بعضه أفضل من بعض. وقال: (ومعلوم أنه ليس في الكتاب والسنة نص يمنع تفضيل بعض كلام الله على بعض، بل ولايمنع تفاضل صفاته تعالى، بل ولا نقل هذا النفي عن أحد من الصحابة والتابعين لهم بإحسان، ولا عن أئمة المسلمين الذين لهم لسان صدق في الأمة، بحيث جعلوا أعلاماً للسنة وأئمة للأمة) (12).
وإذا تقرّر أن القول بالتفضيل هو القول الصواب الذي لاينبغي القول بخلافه؛ فإن من نافلة القول أن أذكر الشبه التي احتج بها - ابن عبدالبر - على قوله المخالف للصواب، مع الرد عليها والاعتذار له - إن أمكن -.
الشبهة الأولى: اشتبه عليه المراد بقوله تعالى: {مَا نَنسَخْ مِنْ ءَايَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَآ أَوْ مِثْلِهَآ)} [البقرة: 106]، وذكر أن العلماء بتأويل القرآن لم يختلفوا أن المراد بقوله: {بِخَيْرٍ مِّنْهَآ} أنها خير لعباده المؤمنين التالين لها والعاملين بها إمَّا بتخفيف عنهم وإمَّا بشفاء صدورهم بالقتال لعدوهم لا أنها في ذاتها أفضل من غيرها.
قال - رحمه الله -: (وأمَّا قول الله عزوجل {مَا نَنسَخْ مِنْ ءَايَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَآ أَوْ مِثْلِهَآ)} فمعناه بخير منها لنا لا في نفسها) (13).
وما استدل به وذكره ابن عبدالبر وإن كان قاله أيضاً إمام المفسرين ابن جرير الطبري وغيره من المفسرين عند تفسيرهم لهذه الآية إلاَّ أنه في الحقيقة لايدل على المراد الذي أراده ابن عبدالبر من نفي وقوع التفاضل في كلام الله؛ بل إن ظاهر الآية يدل على أن الآية التي يأتي بها الله بدل الآية المنسوخة أو المنسية خيرٌ منها أو مثلها.
ولهذا (فقول القائل: إنه ليس بعض ذلك خيراً من بعض بل بعضه أكثر ثواباً، ردٌّ لخبر الله الصريح، فإن الله يقول: {نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَآ أَوْ مِثْلِهَآ)} [البقرة: 106] فكيف يُقال: ليس بعضه خيراً من بعض؟.
وإذا كان الجميع متماثلاً في نفسه امتنع أن يكون فيه شيء خيراً من شيء.
¥