قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات، إلا أن ابن أذنان لم يوثقه غير ابن حبان، وقد اختلف في اسمه والراجح أنه سليم كما ذهب غليه المحقق أحمد شاكر رحمه الله تعالى، ويأتي التصريح بذلك قريباً في بعض الطرق.
وعطاء بن السائب كان اختلط.
لكن للحديث طريق أخرى، فقال الطبراني في ((المعجم الكبير)) (رقم9180): حدثنا علي بن عبد العزيز: نا ابونعيم: نا دلهم بن صالح: حدثني حميد بن عبد الله الثقفي أن علقمة بن قيس استقرض من عبد الله ألف درهم ... الحديث نحوه ولم يرفع آخره، ولفظه:
((قال عبد الله: لأن أقرض مالاً مرتين أحب إلي من أن أتصدق به مرة)).
ودلهم هذا ضعيف.
وحميد بن عبد الله الثقفي، أورده ابن أبي حاتم (1/ 2/224) لهذا الإسناد، ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلا.
والجملة الأخيرة منه قد رويت من طريقين آخرين عن ابن مسعود مرفوعاً، فهو بمجموع ذلك صحيح. والله أعلم. راجع ((تخريج الترغيب)) (2/ 34).
وتابعه على الجملة الأخيرة منه قيس بن رومي عن سليم بن أذنان به مرفوعاً بلفظ:
((من أقرض ورِقاً مرتين كان كعدل صدقةٍ مرةً)).
أخرجه الخرائطي في ((مكارم الأخلاق)) (ص19) وابن شاهين في ((الترغيب والترهيب)) (314/ 1) والبيهقي في ((السنن)) (5/ 353).
وله طريق أخرى عن الأسود بن يزيد عن عبد الله بن مسعود مرفوعاً بلفظ:
((من أقرض مرتين كان له مثلُ أجر أحدهما لو تصدق به)).
أخرجه ابن حبان (1155) والخرائطي والهيثم بن كليب في ((مسنده)) (53/ 2 - 54/ 1) والطبراني في ((المعجم الكبير)) (3/ 68/1) وابن عدي (212/ 2) من طريق أبي حريز أن إبراهيم حدثه عنه.
قلت: وهذا سند لا بأس به المتابعات، رجاله ثقات، غير أبي حريز واسمه عبد الله بن الحسين الأزدي، قال الذهبي:
((فيه شيء)). وقال الحافظ:
((صدوق يخطىء)).
(السَلَفُ): القرض الذي لا منفعة للمقرض فيه.
قلت: ومع هذه الفضيلة البالغة للقرض الحسن، فإنه يكاد أن يزول من بيوع المسلمين، لغلبة الجشع والتكالب على الدنيا على الكثيرين أو الأكثرين منهم، فإنك لا تكاد نجد فيهم من يقرضك شيئاً إلا مقابل فائدة إلا نادراً، فإنك قليلاً ما يتيسر لك تاجر يبيعك الحاجة بثمن واحد نقداً أو نسيئة، بل جمهورهم يطلبون منك زيادة في بيع النسيئة، وهو المعروف اليوم ببيع التقسيط، مع كونها ربا في صريح قوله صلى الله عليه وسلم:
((من باع بيعتين في بيعة فله أوكَسُهما أو الربا)).
وقد فسره جماعة من السلف بأن المراد به بيع النسيئة، ومنه بيع التقسيط، كما سيأتي بيانه عند تخريج الحديث برقم (2326).
كتاب الصيام
من الطب النبوي
1830 - (خصاء أمتي الصيام).
رواه أحمد (2/ 173) وابن عدي (111/ 2) والبغوي في ((شرح السنة)) (3/ 1/2) عن ابن لهيعة: حدثني حيي بن عبد الله عن أبي عبد الرحمن الحبلي عن عبد الله ابن عمرو بن العاص.
أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أتأذن لي أن أختصي؟ فقال صلى الله عليه وسلم: فذكره، وزاد: ((والقيام)).
قلت: وهذا إسناد ضعيف، لسواء حفظ ابن لهيعة، وقد رويت أحاديث بمعنى حديثه هذا دون ذكر القيام.
فروى ابن سعد (3/ 394) بسند جيد عن ابن شهاب:
أن عثمان بن مظعون أراد أن يختصي ويسيح في الأرض، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:
((أليس لك في أسوة حسنة؟ فأنا آتي النساء، وآكل اللحم، وأصوم وأفطر، إن خصاء أمتي الصيام، وليس من أمتي من خصى أو اختصى)).
وأخرج الحسين المروزي في ((زوائد الزهد)) (1106) كم طريق عبد الرحمن بن زياد بن أنعم عن سعد بن مسعود قال: قال عثمان بن مظعون ... فذكره نحوه دون قوله: ((وليس من أمتي ... )).
لكن أخرجه ابن المبارك نفسه في ((الزهد)) (845) من طريق رشدين بن سعد قال: حدثني ابن أنعم به أتم منه.
وعبد الرحمن بن أنعم ضعيف لسوء حفظه، ومثله رشدين.
ثم أخرج المروزي (1107) وأحمد (3/ 378و382 - 383) من طريق رجل عن جابر بن عبد الله قال:
جاء شاب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أتأذن لي في الخصاء؟ فقال:
((صُمْ، وسل الله من فضله)).
وإسناده صحيح لولا الرجل الذي لم يسم.
وجملة القول أن الحديث بمجموع هذه الطرق صحيح، دون ذكر القيام فإنه منكر. والله أعلم.
ويشهد له الحديث المتفق عليه عن ابن مسعود مرفوعاً:
((يا مشعر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء)).
¥