تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

و لو كان لدينا تاريخ قليل صحيح، فهو خير من تاريخ كبير جَلُّه كذبٌ و افتراء. إن التاريخ لا يُأخذ فقط من كتب التاريخ، و لكن من القرآن الكريم ثم الصحيحين ثم كتب السُّنن و المَسانيد و المَعاجم و الزَّوائد و المُستدْرَكات و الطبقات ثم كتب التاريخ المشهورة. و كتب التاريخ أيضاً لم يلتزم أحدٌ من المؤرِّخين القدامى بالتزام الروايات الصحيحة فقط، فقد روو في كتبهم روايات فيها الصّحيح و الباطل، و لكنهم أُعْذِرو عندما أسندو هذه المرويات إلى رواتها لنستطيع الحُكم عليها من حيث قبولها أو ردها.

و من هؤلاء الطبري الذي عاش تحت سطوة و تعاظم قوة الشيعة، و لذلك يقول في مقدمة تاريخه –و الذي يعتبر المصدر الأول للمؤرخين–: «و لْيعلم الناظر في كتابنا هذا أنّ اعتمادي في كل ما أحضرت ذكره فيه مما اشترطت أني راسمه فيه، إنما هو على ما رويتُ من الأخبار التي أنا ذاكرها فيه، و الآثار التي أنا مسندها إلى رواتها فيه، دون ما إدراك بحجج العقول، و استنبط بفكر النفوس، إلا اليسير القليل منه. إذ كان العلم بما كان من أخبار الماضين، و ما هو كائن من أنباء الحادثين، غير واصل إلى من لم يشاهدهم و لم يدرك زمانهم، إلا بإخبار المخبرين و نقل الناقلين دون الاستخراج بالعقول، و الاستنباط بفكَر النفوس. فما يكن في كتابي هذا من خبر ذكرناه عن بعض الماضين مما يستنكره قارئه، أو يستشنعه سامعه، من أجل أنه لم يعرف له وجهاً من الصحة، و لا معنى في الحقيقة فليعلم أنه لم يُؤتَ في ذلك من قِبَلنا، و إنما أُتي من قِبَل بعض ناقليه إلينا، و أناّ إنما أدَّيْنا ذلك على نحو ما أُدِّيَ إلينا» [7].

أما المصدر الثاني عند المؤرخين فهو الكامل في التاريخ لابن الأثير [8]. و قد ذكر ابن الأثير في مقدمة كتابه فيما يتعلق بتاريخ بني أمية على أنه أخذ ما فيه من روايات من تاريخ الطبري. إذاً فمصدر ابن الأثير هو الطبري و لم يذكر سواه في المقدمة، و بين أنه اختار أتم روايات الطبري. و لا يعني هذا أنه نقل هذه الروايات باعتقاده لصحتها، و إنما نقلها لأنها روايات تامة، كما نص على ذلك بنفسه [9]. فهذا المصدر لا يحلُّ بديلاً عن تاريخ الطبري. و كذلك كتاب البداية للنهاية لإبن كثير، قد اعتمد على كتاب تاريخ الطبري خاصة في أحداث تلك الفترة، فاختار أتمّ الروايات في الموضوع دون الاعتماد على الصحيح، مع حذف أسانيدها. و بذلك لا يمكننا الاعتماد عليه بدون الرجوع للطبري.

و هناك مصادر أخرى مثل تاريخ اليعقوبي و مروج الذهب للمسعودي [10]، و هذان الأخيران لا يؤخذ منهما لميولهما الشيعية و لتفضيلهما للروايات الشيعية في تاريخهما. و هناك كتاب الإمامة و السياسة المنسوب لابن قتيبة، و الغريب المؤسف أننا نجد من المؤرخين المحدثين من يعتمد على هذا الكتاب على اعتبار مؤلفه ابن قتيبة فعلاً، مع علمهم حتماً بعدم صحة هذه النسبة [11].

أما باقي الكتب كتاريخ دمشق لإبن عساكر و المُصَنَّف لأبي شيبة و طبقات ابن سعد و غيرها من الكتب المُسنَدة، ففيها الكثير من الروايات من صحيح و ضعيف. و هذه الروايات يُحْكم عليها وِفق إسنادها تماماً كما نفعل في علم الحديث. و قد أخذ بعض المؤرخين المعاصرين هذه الروايات الضعيفة و زجّوها في مؤلفاتهم على أنها حقيقة لا مجال للشك فيها، و هذا غلطٌ سببه جهلهم بعلم الإسناد.

يقول المحدّث ناصر الدين الألباني: «و قد يظن بعضهم أن كل ما يُروى في كتب التاريخ و السيرة أن ذلك صار جزء لا يتجزأ من التاريخ الإسلامي الرائع الذي يتميز عن تواريخ الأمم الأخرى بأنه هو وحده الذي يملك الوسيلة العلمية لتمييز ما صَحّ منه مما لم يَصِح، و هي نفس الوسيلة التي يميز بها الحديث الصحيح من الضعيف، ألا و هو الإسناد الذي قال فيه بعض السلف: "لولا الإسناد لقال من شاء ما شاء". و لذلك لمّا فقدت الأمم الأخرى الوسيلة العظمى امتلأ تاريخها بالسخافات و الخرافات» [12].

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير