تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

سابعا: لقد امتاز العرض القرآني لأي حدث من أحداث السيرة النبوية على كل ما كتب وما سيكتب منها بالأسلوب وبالبيان المعجز الذي تكتسب الكلمات والجمل فيه حيوية تجسم الحدث وتحيطه بالإيحاءات والظلال. وذلك ما لم يتوافر في أي كتاب من كتب السيرة.

وخير مثال في ذلك كلام الله تعالى في سورة الاحزاب واصفا مفاجاة المشركين وحلفائهم للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه في عقر دارهم بالمدينة وما كان لذلك من أثر على حالة المؤمنين.قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَّمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيراً {9} إِذْ جَاؤُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتْ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا {10} هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيداً {11} الاحزاب

ثامنا: إذا كانت كتب السيرة تقف في تسجيلاتها عند ظواهر الأحداث والتصرفات لانها لا تملك النفاذ إلى ما وراء ذلك فإن ما جاء عن السيرة في القرآن الكريم يمتاز بالحديث عما وراء الظاهر حيث أنه بميزة الوحي العلهي إلى النبي صلى الله عليه وسلم يستطيع استنباط الأحداث والأشخاص وكشف ما في اعماقهم وتقديمه للناس.

فمن ذلك حديث القرآن عن المنافقين فقد جاء حديثهم هذا مبثوثا في كتب السيرة على شكل تصرفات ومواقف يقفونها من الرسول عليه السلام فاذا خوطبوا بشأنها قدموا العلل والمعاذير ... فلما جاء القرآن فتحدث عنهم كشف الحقيقة في هذا الاعتذار الكاذب.

قال تعالى "وَإِذْ قَالَت طَّائِفَةٌ مِّنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِّنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِن يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَاراً {13} وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِم مِّنْ أَقْطَارِهَا ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لَآتَوْهَا وَمَا تَلَبَّثُوا بِهَا إِلَّا يَسِيراً {14} وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللَّهَ مِن قَبْلُ لَا يُوَلُّونَ الْأَدْبَارَ وَكَانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْؤُولاً {15} قُل لَّن يَنفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِن فَرَرْتُم مِّنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذاً لَّا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلاً {16} قُلْ مَن ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُم مِّنَ اللَّهِ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءاً أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً وَلَا يَجِدُونَ لَهُم مِّن دُونِ اللَّهِ وَلِيّاً وَلَا نَصِيراً {17} قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنكُمْ وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلَا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلاً {18} الاحزاب

تاسعا: اذا كانت كتب السيرة قد عرضت في تفاصيلها الكثير من حالات الناس ومواقفهم بين مرتبتي الايمان والكفر وما بينهما من تردد ونفاق فقد عرضت ذلك مبثوثا في مواقعه وحسب زمان الحدث ومكانه من غير ان تقرن الحالات وتضمها الى بعضها بما يشكل منها في آخر الأمر نموذجا فيه السمات والخصائص. ولكن القرآن قد قام بهذا العمل وقدمه للناس في أدق صوره.

وعلى سبيل المثال: إذا كانت كتب السيرة قد تحدثت عن أخلاق اهل الايمان من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم ووصقت الكثير من شمائلهم مكتفية بذلك ففي القرآن ترى ملامح هذه الشخصيات موسومة في بعض السور ليقتدي بها من شاء. على نحو ما نجده في أول سورة المؤمنون حيث تجتمع عشر آيات متصلة تبين خصائص هؤلاء وما ينبغي أن يكون عليه من يحب أن يكون منهم. قال تعالى:

(قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ {1} الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ {2} وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ {3} وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ {4} وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ {5} إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ {6} فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ {7} وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ {8} وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ {9} أُوْلَئِكَ هُمُ

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير