تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ـ[محمد الأمين]ــــــــ[10 - 04 - 02, 08:50 ص]ـ

بسم الله الرحمان الرحيم و الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على سيدنا محمد خير المرسلين.

أما بعد،

فقد قال الله –تبارك و تعالى– في كتابه العزيز:] أَوَ لَمْ يَسِيرُو فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُو كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ؟ وَ كَانُو أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً. وَ مَا كَانَ اللهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَ لا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيماً قَدِيراً [[1]. و قال كذلك عن الكفّار:] فَهَلْ يَنْتَظِرُونَ إِلاَّ مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْ مِنْ قَبْلِهِمْ؟ قُلْ فَانْتَظِرُو إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ [[2]. و قال –جَلَّ و عَلى–:] كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ [[3]. و وَعَد عباده المؤمنين بالتمكين فقال لهم:] وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَ عَمِلُو الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ، وَ لَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ، وَ لَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً، يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً. وَ مَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ [[4].

فقد أمَرَنا الله –سبحانه و تعالى– أن ننظر و نتأمل في تاريخ الأمم السابقة، ليس من باب التسلية و قراءة القصص أبداً، بل أمرنا الله بالنظر في أسباب سقوط الأمم السابقة و تمكن غيرها في الأرض، حتى نتعلم هذه الأسباب و نعتبر مما جرى و نتوقف عن تكرار الخطأ مرات و مرات. فدلّ ذلك على أن للتاريخ قواعد ثابتة راسخة لا تتغير مع الزمن، و إنما أهمل الناس النظر إليها. فلذلك إذا انهارت إمبراطورية بنتيجة معركة من المعارك، فلأن لهذا أسباباً عميقة تتيح لها أن تسقط بعد معكرة واحدة، و لا علاقة للحظِّ أبداً في هذا. و قد اشتهر على ألسن الناس أن التاريخ يعيد نفسه. و هذا حقٌّ مُبين فلا بُدَّ أن نفهم القواعد التي يعيد التاريخ نفسه عليها، حتى نستطيع فهم التاريخ فعلاً و بالتالي نفهم واقعنا المعاصر.

و المؤرخون كانو يدرسون التاريخ باعتباره أحداثاً و شخصيات منفصلة ليس لها علاقة ببعضها البعض. و كان التاريخ عبارة عن مجرد قصة قد تكون واقعية أو تكون محشوّة بالأساطير يقرأها الناس لمجرد التسلية و الترفيه. و لكن هدفي أن أجد رابطاً أو نمطاً عاماً يفسِّر التاريخ و يفسر قيام و سقوط الدول. و قد وجدت في مفهوم العصبية الذي ابتكره العلامة ابن خلدون هو خير وسيلة لذلك الشرح [5].

تعني العصبية التعصب الذي مؤداه أن يناصر الأخ أخاه و يدافع عنه. فهي تعني عند التضامن العائلي الذي يوجد مجموعة من الحقوق و يفرض طائفة من الالتزامات. و كل عصبية غير إسلامية مذمومةٌ في الإسلام، و لذلك قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (ص): «مَنْ قُتِلَ تَحْتَ رَايَةٍ عِمِّيَّةٍ يَدْعُو عَصَبِيَّةً أَوْ يَنْصُرُ عَصَبِيَّةً فَقِتْلَةٌ جَاهِلِيَّةٌ» [6]. و من نفس المنطلق أعاد الإسلام تفسير مقولة العرب القديمة إنصر أخاك ظالماً أو مظلوماً، ليصبح معناها منعه من ظلم غيره. فالعصبية الدينية أو العقيدية تعني أن مجموعة من الأفراد يتناصرون فيما بينهم ليس بسبب رابطة الدم والنسب بينهم و لكن بسبب رابطة العقيدة أو الفكرة التي تضمهم جميعاً.

و لذلك بدأت في سرد خلاصة ما وصلت إليه من قواعد للعصبية و تأثيرها بالتاريخ. ثم أعطيت أمثلة كثيرة في التاريخ القديم و الحديث، لكن تركيزي الأساسي كان على التاريخ الإسلامي. و قد بذلت بالغ الجهد في اختيار الروايات و الأخبار الصحيحة في سردي للحوادث التاريخية، إلا ما كان في إسناده ضعف لكنه حسنٌ بشواهده فأنبه عليه في الهامش. و قد نقلت أقوال علي بن أبي طالب (ر) من نهج البلاغة، على الرغم من أن أهل السنة يجزمون بأنه كتاب مزوّر فيه الكثير من الأكاذيب. و السبب هو أن هذا الكتاب هو أصدق و أصح الكتب عند الشيعة، فهو حجّة عليهم. و كل قول لعليٍّ استشهدت به من نهج البلاغة، يكون له شاهدٌ من كتب السُّنة، و إلا أضرب الصّفح عن ذكره. فيكون ما أنقله مما اتفق عليه المؤرخون من السُّنة و الشيعة.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير