تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

قول إمام معتبر، من أئمة الحديث النقاد، أن فلاناً لم يسمع من فلان، أو لم يلقه، أو لم يدركه، أو فلان عن فلان مرسل، أو هذا إسناد منقطع، ونحو ذلك من العبارات الدالة على الانقطاع (1).

وقد يقع الخلاف بين أئمة الحديث وأهل العلم في إثبات سماع فلان عن فلان أو نفيه، فترى بعضهم ينفي سماع فلان من فلان، والآخر يثبته، أو يصحح إسناد تحديثه عنه، أو يخرجه في شيء من كتب الصحاح محتجاً به، وهذا يعني اتصال الإسناد عنده، لأن من شروط الصحيح اتصال السند.

قال ابن حجر في ترجمة عثمان بن عبد الله بن عبد الله: " وقد أخرج بن حيان في صحيحه، والحاكم في المستدرك، حديثه عن جده عمر بن الخطاب، ومقتضاه أن يكون سمع منه " (2).

ومن أسباب اختلاف أهل العلم في إثبات السماع أو نفيه:

1 - اختلافهم في تقدير سنِّ الراوي.

مما يترتب عليه عند بعضهم أن يكون الراوي لم يدرك من روى عنه أو أنه أدركه ولكنه في سنٍّ قاصرة عن تحمل الحديث، ونحو ذلك، بينما يرى غيرهم من أهل العلم أنه أدرك من روى عنه، أو عاصره ومثله ممكن أن يسمع منه، ونحو ذلك.

ومثال ذلك:

ترجمة سعيد بين جبير، وترجمة عبد الرحمن بن أبي ليلى، وكذلك ترجمة عامر الشعبي، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه. وترجمة عبد الجبار بن وائل بن حجر، عن أبيه رضي الله عنه.

2 - ويقع الاختلاف بينهم أيضاً في سماع الصغير، وأي سنٍّ يصح فيها سماعُه؟

ومثال ذلك:

ترجمة سعيد بن المسيب، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقد ذكر ابن معين أن ابن المسيب رأى عمر، ولكنه قال: " ابن ثمان سنين يحفظ شيئاً"، فأنكر سماعه من عمر لصغر سنِّه، وتابعه على هذا كثير تمن أهل العلم.

ولكن خالفهم ابن المديني فكان يصحح سماع سعيد من عمر، ولما سئل الإمام أحمد: سعيد، عن عمر حجة؟ قال: " هو عندنا حجة، قد رأى عمر وسمع منه، وإذا لم يقبل سعيد، عن عمر فمن يقبل؟ ".

ومثال ذلك أيضاً ما جاء في:

ترجمة عبد الرحمن بن الأسود بن يزيد، عن عائشة رضي الله عنها.

وترجمة عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب، عن جده كعب بن مالك الأنصاري رضي الله عنه.

وترجمة عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود، عن أبيه رضي الله عنه.

3 - ويقع الخلاف بينهم في الإسناد المعنعن، هل هو من قبيل المتصل؟ أم هو من قبيل المنقطع؟ على الخلاف المتقدم حكايته.

فقد يحكم أحدهم على رواية فلان عن فلان بأنها مرسلة، أو أنه لم يذكر سماعاً من فلان ونحو ذلك، لأنه لم يصرح قط بالسماع منه، ولم يثبت لديه أنه لقيه.

بينما يعتبره الآخر من قبيل المتصل، إذا كان الراوي قد أدرك من روى عنه، وممكن جائز سماعه منه، مع سلامته من التدليس.

ولذا تجد بعض أهل العلم يحكم على رواية فلان عن فلان بالإرسال، وتجد الآخر يخرجها في الصحيح، والأمر فيهاا ما ذكرتُ، والله أعلم.

4 - كما يقع الخلاف بينهم في الإسناد المعنعن إذا جاء من طريق أخرى بذكرِ واسطةٍ بين تالروايين.

فبعضهم يحكم على هذاا الإسناد بالانقطاع، وقد يستدل بذلك على انقطاع رواية هذا الراوي عمن عنعن عنه هنا مطلقاً في كل ما حدث عنه، وذلك إذا لم يكن قد ثبت انه لقيه أو سمع منه.

وقد ينازعهم غيرهم فلا يطَّرد ذلك عنده في كل ما رواه هذا الراوي عمن عنعن عنه.

بل قد يخالفهم آخرون في أصل المسألة، فلا يعتبر الإسناد الأول منقطعاً، بل يعلّ الإسناد الثاني، ويعدّه من المزيد في متصل الأسانيد.

وقد يذهب آخرون إلى الجمع بين الإسنادين، بأن الراوي سمع هذا الحديث بواسطة ثم لقي شيخه فسمعه منه مباشرة، فكل من الإسنادين يعتبر متصلاً.

وكل هذا خاضع للقرائن، وبناء على ذلك يختلف الترجيح بين أهل العلم.

قال ابن حجر: " ويعرف عدم الملاقاة بإخباره عن نفسه بذلك أو بجزم إمام مطلع، ولا يكفي أن يقع في بعض الطرق زيادة راو أو أكثر بينهما، لاحتمال أن يكون من المزيد، ولا يحكم في هذه الصورة بح كم كلي لتعارض احتمال الاتصال والانقطاع " (3).

وكلام أئمة الحديث، وأهل العلم في إعلال الأحاديث بالإرسال بأن فلاناً لم يسمع من فلان، أو لم يلقه، أو لم يدركه، أو أن فلاناً عن فلان مرسل، ونحو ذلك، موجود ف يكتب الرجال عامة، كالعلل ومعرفة الرجال للإمام أحمد بن حنبل، والتاريخ الكبير للبخاري، والجرح والتعديل لابن أبي حاتم، وتهذيب الكمال للمري، وتهذيب التهذيب لابن حجر، وغيرها كثير ت. وفي كتب العلل والتاريج، كعلل الحديث لابن أبي حاتم، والعلل للدارقطني، ونصب الراية للزيلعي، والتلخيص الحبير لابن حجر، وإرواء الغليل للألباني، وغيرها.

وقد ألَّف بعضُ أهل العلم كتباً خاصة فلي الرجال شملت هذا النوع من كلام أهل العلم، من أهمها:

كتاب المراسيل لابن أبي حاتم الرازي، وكتاب جامع التحصيل في أحكام المراسيل للعلائي (الباب السادس منه)، وتحفة التحصيل في ذكر رواة المراسيل لولي الدين أبي زرعة العراقي.


(1) المبحث الثاني من الرسالة.
(2) تهذيب التهذيب، 7/ 130.
(3) نزهة النظر، ص 74.
¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير