ثم اتصل بىَ الشيخ هاتفياً، فكان من نصيحتى ما لو إن قبلها لانتفع ونفع، فالذى احتواه الكتاب من الزوائد هو 791 واحد وتسعون وسبعمائة ترجمة فقط!!. ولم يكن فى تصور الشيخ أن تصل الزوائد إلى ما يربو على الثلاثة آلاف ترجمة، ولا أكون مبالغاً لو قلت: أربعة آلاف أو تزيد.
وكتبت رسالة بذلك، وذكرت كيفية البحث فى هذه الزوائد، وذلك من خلال كتبٍ ثلاثة فقط، وهى ((التاريخ الكبير)) للإمام البخارى، و ((الجرح والتعديل)) للإمام ابن أبى حاتم، و ((كتاب الثقات)) للإمام أبى حاتم بن حبان البستى، وعللتُ ذلك بقولى فى الرسالة: فالكتب الثلاثة ـ أعنى ((التاريخ الكبير)) و ((الجرح والتعديل)) و ((الثقات)) ـ من أوسع الكتب ذكراً للمراسيل والمقاطيع، ويمكن الجزم بأن أوسعها مطلقاً ((التاريخ الكبير))، ثم يليه ((الثقات)).
وابتدأتُ زيادات ((ثقات ابن حبان)) بترجمة إبراهيم بن عبد الرحمن العذرى، وحديثه المرسل ((يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله))، للدلالة على أن أصحاب كتب المراسيل الثلاثة المشاهير قد فاتهم أشهر مرسلٍ وأشيعه، إذ قلَّ كتاب يذكر فضل العلم وحملة الآثار إلا ذكره، واعتبر فى ذلك بكتاب أبى عمر بن عبد البر القرطبى ((فضل العلم)).
والرسالة الآن طى الأدراج، لتخلف الشيخ عن إرسال المندوب الذى وعدنى لاستلامها.
ولما كان من حق طالب العلم، المطالع للكتاب، أن يتعرف على تعليقات أهل العلم عليه، فسوف ألمح بإيجاز إلى بعض التعقيبات على موضوع الكتاب:
(الأول) خلت مقدمة الكتاب من بيان معنى المرسل ودلالته، وهل يجامع المقطوع والمنقطع أو يفارقهما؟. وكان بوسعه أن ينقل كلام أبى سعيد العلائى صاحب ((جامع التحصيل)) فى هذه المباحث، فقد أجاد وأفاد.
(الثانى) كثير من تراجم الكتاب ليست من شرط الزوائد. ومثال ذلك: ترجمة إبراهيم بن يزيد النخعى (رقم 17). قال الحافظ المزى: إبراهيم النخعى لم يسمع من الأشعث بن قيس الكندى.
وأقول: لا فائدة فى ذكر هذا القول فى الزوائد، فنفى سماع النخعى من الأشعث مستفاد من التنصيص على عموم نفى سماعه من الصحابة كلهم، وذلك قول على بن المدينى: لم يلق النخعى أحداً من الصحابة. وهذا منصوص عليه فى الكتب الثلاثة ((المراسيل والجامع والتحفة))!.
ومثال ثانٍ: ترجمة قتادة (548). قال أبو بكر البيهقى: قتادة لم يدرك ابن عباس.
وأقول: نقل أصحاب الكتب الثلاثة قول الإمام أحمد: ما أعلم قتادة سمع من أحد من الصحابة غير أنس بن مالك. فمع التنصيص على نفى سماعه وإدراكه عن الصحابة خلا أنس بن مالك، فلا فائدة تُحصَّل من ذكر نفى سماعه من ابن عباس، فهو مندرج فى هذا العموم، وهو كقول أحدنا لم يسمع قتادة من عمر، ولا من معاذ، ولا من عبادة بن الصامت، ولا من عقبة بن عامرٍ الجهنى، ولا من أبى هريرة، ولا من ... ، ولا من ... ، وإلا لوسعنا المجال، ولا ينقطع الكلام.
(الثالث) كثرة التصحيفات فى التراجم، إما نقلاً عن الأصول، أو أثناء التصرف فى النقل. ومثاله: فى ترجمة قتادة (رقم547) نقلاً عن سؤالات أبى عبيد لأبى داود، قال: سئل أبو داود: سمع قتادة من الربيع بن حُجير شيئاً؟، فقال: لا.
ثم علَّق فى الحاشية قائلاً: وقال المعلِّق: لم أجد له ـ يعنى الربيع بن حُجير ـ ترجمة، فلعله مصحف من الربيع بن خثيم أو سعيد بن جبير.
وأقول: لعل المعلِّق لا يعلم أن لقتادة شيخاً اسمه ((حُجير بن الربيع))، وهو أبو السوَّار العدوى، المشهور بكنيته، وإلا لبادر بقوله: حدث هاهنا قلباً وإبدالاً للأب بالابن!!. ولقتادة سماع من ((حجير بن الربيع)). فقد أخرج الإمام أحمد (4/ 27) قال:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا السَّوَّارِ الْعَدَوِىَّ يُحَدِّثُ أَنَّهُ سَمِعَ عِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ الْخُزَاعِيَّ يُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: ((الْحَيَاءُ لا يَأْتِي إِلَّا بِخَيْرٍ)).
ولا أُراه هو المقصود بالسؤال الوارد لأمرين:
(أولهما) أنه لو كان مقصوداً لخرج النص عن التصحيف إلى الإقلاب، بجعل الابن أباً، والأب ابناً، وهذا أبعد فى الوهم والخطأ.
(ثانيهما) لا أظن أن أبا داود ـ لو كان هذا الشيخ أبا السوَّار ـ لا يعلم سماع قتادة منه، وروايته عنه بثبوت السماع محفوظة، وهى عند شيخه الإمام أحمد.
ولكن أرجح أن بالنص الوارد بالسؤالات تصحيفاً، وأن الصواب ((صالح بن حُجير))، وهو صالح بن حجير أبو حجير. روى عنه: ثابت البنانى، وقتادة. ولا يعلم لواحد منهما عنه سماعاً، وخاصة قتادة، فقد رواه سعيد بن بشير عن قتادة عنه، وسعيد ليس بحجة فيما تفرد به عن قتادة.
قال الإمام البخارى ((التاريخ الكبير)) (4/ 275/2794): ((صالح بن حُجير. أخبرنا موسى بن إسماعيل نا حماد عن ثابت عن صالح بن حجير عن معاوية بن حديج له صحبة: ((مَنْ غَسَّلَ مَيِّتًا، وَكَفَّنَهُ، وَدَفَنَهُ غُفرَ لَه)). وقال يحيى بن صالح حدثنا سعيد بن بشير عن قتادة عن أبي حجير عن معاوية بن حديج من أهل مصر نحوه)).
قلت: وكذلك رواه ثابت البنانى عن صالح بن حجير. فقد أخرجه الإمام أحمد قال: حَدَّثَنَا عَفَّانُ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ حَدَّثَنَا ثَابِتٌ عَنْ صَالِحٍ أَبِي حُجَيْرٍ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ حُدَيْجٍ وَكَانَتْ لَهُ صُحْبَةٌ قَالَ: ((مَنْ غَسَّلَ مَيِّتًا، وَكَفَّنَهُ، وَتَبِعَهُ، وَوَلِيَ جُثَّتَهُ، رَجَعَ مَغْفُورًا لَهُ)). قَالَ أَبو عَبْد الرَّحْمَنِ: قَالَ أَبِي: لَيْسَ بِمَرْفُوعٍ.
وأقول: فتبين أن التصحيف فى اسم الراوى فقط ((صالح)) صار ((الربيع))، وليس فى الأب، ولا فيهما، كما توهمه المعلِّق!، فقد ذهب ظنه إلى الربيع بن خثيم أو سعيد بن جبير، فأوهم فى الجهتين: الراوى وأبيه، وإنما الصحيح ((صالح بن حجير)).
ووجه الترجيح أن ((صالح بن حجير)) لا يعلم لقتادة سماع منه.
وللتعقيبات بقية إن شاء الله تعالى.
¥