تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وقال الإمام أبو الطيب صديق حسن خان في "شرحه" كذلك: " وأما استدلال من استدل بحديث كريب عند مسلم وغيره فغير صحيح، لأن ابن عباس لم يصرح بأن النبي * أمرهم بألاَّ يعملوا برؤية غيرهم من أهل الأقطار، بل أراد ابن عباس أنه أمرهم بإكمال الثلاثين ولم يروه، ظنا منه أن المراد بالرؤية رؤية أهل المحل وهذا خطأ في الاستدلال أوقع الناس في الخبط والخلط حتى تفرقوا في ذلك على ثمانية مذاهب. وقد أوضح الماتن المقام في الرسالة التي سماها " إطلاع أرباب الكمال على ما في رسالة الجلال في الهلال من الاختلال".

قال أبو محمد: قد أخرج البيهقي رحمه الله في "السنن" هذا الحديث من طريق كريب نفسه فقال: أخبرنا علي بن أحمد بن عبدان، أنا أحمد بن عبيد، ثنا عبيد بن شريك: ثنا ابن أبي مريم، أنا محمد بن جعفر، ثني محمد بن حرملة، أخبرني كريب أنه سمع ابن عباس يقول: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نصوم لرؤية الهلال ونفطر لرؤيته فإن غم علينا أن نكمل ثلاثين" هـ.

قال الحافظ الغماري: "فهذا هو حديث كريب نفسه اختصره بعض الرواة بقوله: "هَكَذَا أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّه ?" هـ. وأيّد ذلك أن محمد بن حرملة هو نفس الراوي عن كريب في "صحيح مسلم"، فدل على أنه حديث واحد.

الوجه الثالث: فإن قيل فهذا مذهب صحابي وهو حجة، فجوابنا: إن كنت شافعياً أو أشعرياً فلا حجة لك إذ أنتم لا تأخذون بمذهب الصحابي، وإلا فجوابك أنه حجة إذا لم يخالَف وهنا خولف كما بينّا.

الوجه الرابع: وهذا نقوله تنزلاً ومجاراة لكم في أنه إنما لم يعمل برؤية معاوية لاختلاف الأهلة، وإلا فإنّا لا نسلم بهذا، إذ لعله لم يأخذ بشهادة أهل الشام لكونه لا يقبل في الرؤية أقل من شاهدين كما هو مذهب جماعة، وذكر هذا الاحتمال البيهقي رحمه الله وغيره.

وقال النووي: "وقال بعض أصحابنا تعم الرؤية موضع جميع أهل الأرض، فعلى هذا نقول: إنما لم يعمل ابن عباس بخبر كريب لأنها شهادة فلا تثبت بواحد".

وقال السندي: "يحتمل أن المراد به أنه لا تقبل شهادة الواحد في حق الإفطار أو أمرنا أن نعتمد على رؤية أهل بلدنا ولا نعتمد على رؤية غيرهم".

الوجه الخامس: يحتمل أنه لم يعمل برؤيتهم لأنها بلاد بعيدة وقد رفع الله الحرج على الأمة فيما لا يمكنها معرفته إلا بعد مدة طويلة.

قال شيخ الإسلام: "والحجة فيه أنا نعلم بيقين أنه ما زال عهد الصحابة والتابعين يرى الهلال في بعض أمصار المسلمين بعد بعض، فإن هذا من الأمور المعتادة التي لا تبديل لها، ولابد أن يبلغهم الخبر في أثناء الشهر، فلو كانوا يجب عليهم القضاء لكانت هممهم تتوفر على البحث عن رؤيته في سائر بلدان الإسلام، كتوفرها على البحث عن رؤيته في بلده، ولكان القضاء يكثر في أكثر الرمضانات، ومثل هذا لو كان لنقل، ولما لم ينقل دل على أنه لا أصل له، وحديث ابن عباس يدل على هذا".هـ

وهذا هو المتوجه المتعين القول به، وقد اتفق أهل العلم على أن الحاجة تقدر بقدرها والعذر إذا زال رجع الحكم والأمر إذا ضاق اتسع وإذا اتسق ضاق، فقد رجع الأمر إلى الحكم الشرعي الثابت بالنص كما قلنا، والحمد لله رب العالمين.

وبعد، فإن الشارع الحكيم علق الأحكام على علل ظاهرة يعرفها العالم والجاهل ولم يعلقها على أمور لا يفهمها إلا المتخصصون. ولذلك قلنا بأن الرؤية الشرعية بالبصر دون الحساب الفلكي ومثله اختلاف المطالع فلا يعرفها إلا من درس الفلك، وقد نقضناها عليهم بأقوال الفلكيين أنفسهم، وكثير من الفقهاء يتكلمون في علوم ليست من تخصصهم فيخبطون، وقديماً قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى: "ومن تكلم في غير فنه فقد يأتي بالعجائب".

وبالجملة فالحجة في الدليل كما فهمه السلف كلهم لا بعضهم، ولا يكون بعضهم حجة على بعض.

هذا ما تيسر لي في هذه المسألة، فإن كان صواباً فمن الله تعالى، وإن كان غير ذلك فمني ومن الشيطان، والقصد الوصول إلى الحق، والله سبحانه أعلم. والحمد لله رب العالمين وصلواته على إمامنا وحبيبنا محمد وآله وصحبه وسلم.

كتبه الحسن بن علي بن المنتصر بن الزمزمي بن محمد بن جعفر الكتاني الإدريسي الحسني بعمان من أرض الأردن في 17 شعبان من شهور سنة 1417 هـ.

مراجع البحث

1 - القرآن الكريم

2 - "حاشية ابن عابدين" ط الباري الحلبي بمصر.

3 - " تفسير القرطبي" ط الباري الحلبي بمصر.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير