تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وردَّه من أوجه عديدة من أقواها قوله: "وحتى لو فرضنا أنه إجماع صحيح فمن الخطأ الواضح أن يُطبق قول العلماء في ذلك العصر على عصرنا هذا لما بينهما من التباين، فهم قالوا: لا يعمل بالبعد الشديد كما بين الأندلس وخراسان لما كان بينهما مسيرة سنتين سنة ذهاباً وسنة إياباً، فلم يكن من المعقول لأحد أن يقول إنه يجب العمل بخبر يصل بعد سنتين!!

أمّا اليوم فالخبر يصل في دقيقة بل أقل منها، لأنه ساعة ما يلفظ بأن الهلال ثبت في خراسان يسمع في الأندلس، فكيف يُطبّق قول أهل ذلك الزمان على هذا الزمان؟! وقد قال علماء الأصول: إذا أجمعوا على شيء ثم حدث معنى في ذلك الشيء لم يحتج بالإجماع لأنهم أجمعوا على معنى قد زال ووجد خلافه".

قلت: ومنه تعلم أهمية فقه الواقع للعالم المتصدر للكلام في أمور المسلمين.

وقال الإمام المحدث أبو الأشبال أحمد شاكر رحمه الله تعالى: "فالذين ذهبوا من العلماء إلى أن اختلاف المطالع معتبر وأن لكل بلد رؤيتهم فإنما كانوا منطقيين جداً مع الحكم بالرؤية، لأن هذا هو المستطاع إذّاك، ولأن اعتبار اختلاف المطالع ليس مرجعه إلى اعتبارها في أوائل الشهور حتى يكون لكل بلد شهرهم كما لكل بلد رؤيتهم، وإنما هو – فيما نفهم- تعلق خطاب التكليف بالمكلفين، فمن وصل إليه العلم بما كلف به بالطريق الذي جعله الشارع سبباً للعلم، وهو الرؤية في أمّة أميّة، تعلق به الخطاب وصار مطلوباً منه العمل الموقت بوقته.

والذين أهدروا اختلاف المطالع وحكموا بسريان الرؤية في بلد على جميع أقطار الأرض كانوا ناظرين إلى الحقيقة المجردة أن أول الشهر يجب أن يكون في هذه الكرة الأرضية واحداً، وهو الحق الذي لا مرية فيه".

وهنا مسألة هامة ذكرها علماء الفلك في جامعة الملك عبد العزيز، قسم علوم الفلك بالدولة السعودية، قالوا:

" إن دعوى اختلاف المطالع اجتهد فيها بعض العلماء السابقين لتفسير اختلاف الرؤية، وهم مأجورون على ذلك.

والواقع أنه إذا ولد الهلال في مدينة ما والتي تقع على خط طول معين فإن ميلاد الهلال يكون مؤكداً في جميع البلدان التي تقع على هذا الخط، ويكون أيضاً مؤكداً لجميع البلدان التي تلي ذلك الخط.

وإذا أخذنا بالقول الشرعي بأنه إذا اشترك بلد مع آخر بليل فإنه يؤخذ برؤية البلد الآخر يصومان ويفطران معاً. وعلى هذا الأساس فإن جميع بلدان العالم الإسلامي يجب أن تصوم وتفطر في يوم واحد لأنها جميعاً تشترك مع بعضها البعض بليل".

قال أبو محمد: فإذا فرغنا من الرد على سائر أدلة أصحاب اختلاف الأهلة وما إليها، فلنأت إلى عمدتهم وأساس حجتهم، هو حديث كريب، ونسأل الله التوفيق والسداد والإخلاص في كل ما نكتبه، ونعوذ بالله من زيغ القلوب وفساد المقاصد، وبالله نهتدي ونتأيد.

نقض الاحتجاج بحديث كريب:

الجواب عن حديث كريب من وجوه وبالله نتأيد:

الأول: أنه لا دليل في الحديث أصلاً على ما ادعوه من اختلاف المطالع فمن قال لهم إن ابن عباس رضي الله عنهما ترك اتباع رؤية معاوية *، لكون مطلعهم غير مطلعنا؟ وذلك أن هذا الحديث اشتمل على موقوف ومرفوع، فأما الموقوف فهو رأيه * وأما المرفوع فقوله:" هَكَذَا أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّه ?"، فتأييد وجه من احتمالات الحديث دون آخر تحكم لا يرضاه المنصف لنفسه.

الوجه الثاني: ونحن ندعي أن الحديث هو عين حديثنا: "صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ " لأن ابن عباس أحَدُ رواة الحديث كما ذكرنا آنفاً، وهنا يحكي نفس الحديث لكن لا بنصه.

قال العلامة القاضي أحمد بن محمد بن علي الشوكاني في "شرح الدرر" عند قول والده الإمام رحمه الله تعالى: (وإذا رآه أهل بلد لزم سائر البلاد الموافقة): " .. لهم في الصوم لعدم التقيد بمحل ولا بلد، وقول ابن عباس الذي أخبره أنه رأى الهلال بالشام "لَكِنَّا لا نَزَالُ نَصُومُ حَتَّى نُكْمِلَ ثَلاثِينَ" لا حجة فيه لعدم التصريح منه بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن موافقة أهل البلد الآخر في رؤية الهلال. وأما قوله: "هَكَذَا أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّه ?" فالمراد به إكمال العدة".

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير