تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ـ[أبو مالك العوضي]ــــــــ[28 - 11 - 06, 07:50 م]ـ

يا أخي الكريم

سبب الإشكال عندك وعند كثير ممن تكلم في هذا الباب عدم التفريق بين معنيين مختلطين، فإن قولنا (لم يقل به أحد من قبل) يحتمل معنيين:

المعنى الأول:

أن هذه المسألة لم تطرق من قبل، ولم يناقشها أهل العلم، فلا نعلم أن أحدا تكلم فيها من قبل، أو على الأقل لم يشتهر القول فيها، فهنا لا إشكال أن تقول بمقتضى النص إذا بان لك وجهه ولم يعارض نصا آخر ولا إجماعا.

المعنى الثاني:

أن تكون هذه المسألة قد قتلت بحثا، ودرسها أهل العلم، وأوسعوها عرضا ومناقشة، واطلعوا على أضعاف أضعاف ما اطلعتَ عليه أنت، وعرفوا من العلم أضعاف ما عرفت أنت، فصار النقاش في معنى النص وليس في الأخذ بالنص نفسه، فحينئذ لا يجوز لك أن تأتي بقول لم يقله أحد منهم؛ لأن هذا معناه أنك وحدك دون أهل العلم جميعا قد انفردت بالعقل الصحيح والفهم السليم والعلم الحق!!، وكفى بهذا دلالة على الحمق والجهل (ممن يقول بذلك ولا أقصدك أنت).

وقد سئل بعض أهل العلم عن معنى قول الإمام أحمد (لا تتكلم في المسألة ليس لك فيها إمام) فأجاب جوابا يدل على أنه فهم من العبارة أن الإمام أحمد يعني المعنى الأول، مع أن الإمام أحمد نفسه أجاب في كثير من المسائل التي لم يسمع فيها بأثر، فالإمام أحمد يعني المعنى الثاني كما هو ظاهر.

وأما قول ابن القيم ( ... ولا يعرف إمام من أئمة الإسلام البتة قال: لا نعمل بحديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى نعرف من عمل به ... )

فهذا الكلام محمول على المعنى الأول؛ لماذا؟

لأن كثيرا من أئمة المسلمين قديما وحديثا ورد عنهم أنهم تركوا العمل بظواهر بعض النصوص لأنه لم يقل بها أحد، ولا يمكن أن يخفى هذا على ابن القيم رحمه الله، فالإمام مالك كثيرا ما يترك العمل بظاهر بعض النصوص لعدم العمل، والإمام الشافعي كذلك، والإمام الليث بن سعد كذلك، والإمام عبد الله بن المبارك كذلك، وغيرهم كثير، وذكر الترمذي في سننه حديثين وقال: لم يعمل بهما أحد.

بل حتى في عصرنا هذا نسمع كثيرا من الأئمة الأعلام أنهم لا يقولون بظواهر بعض النصوص التي لم يقل بها أحد، كالعلامة ابن عثيمين والعلامة ابن باز رحمهما الله، والشيخ عبد الله السعد حفظه الله وغيره من المعاصرين.

فالحاصل أن هذا شبه متواتر عن الأئمة، فمحال أن يخفى هذا على ابن القيم، فدل ذلك على أنه يعني المعنى الأول لا الثاني.

وفهم هذا المعنى، واتضاح الفرق بين هذين المقامين يحل الإشكال في هذه المسألة الشائكة، والله الموفق.

ـ[أبو مالك العوضي]ــــــــ[28 - 11 - 06, 08:11 م]ـ

وأما قول من يقول (عدم الوجدان لا يدل على عدم الوجود)

فهذا كلام صحيح في نفسه، ولكنه لا يؤثر في المسألة؛ لماذا؟ لأن كثيرا من الناس لا يفهمه على وجهه.

فالإنسان مطالب بما وصل إلى علمه، وأما ما لم يصل إلى علمه فهو في حكم المعدوم، فعدم الوجدان في حقه كالعدم، ولكنه ليس كذلك في حق غيره إذا وصله ما يخالفه، فإذا وصل إلى علمك شيء غاب عن غيرك فلك أن تأخذ به، وحينئذ تقول: (ليس جهل من يخالفني بما عندي من العلم دليلا على عدم هذا العلم)، فأنت حينئذ تحتج بالعلم الذي عندك في مقابلة عدم العلم الذي عند غيرك، ولا شك أن العلم مقدم على عدم العلم.

وبعض الناس لا يفهم هذا الكلام، ويعترض به على كل كلام يأتيه، ويظن أنه قد علم ما فات غيره، وهو في حقيقة الأمر ليس معه إلا عدم العلم!

فإنه لا يعجز أحد أن يقول في أي دليل يرد عليه: (يحتمل أن يكون هناك دليل يخالف هذا الدليل، وعدم العلم ليس علما بالعدم)، ولا فرق بين هذا الكلام وبين أن يقول: (عدم العلم بالقائل ليس علما بعدم القائل)، فهذه العبارة إن لم تقترن بالعلم الزائد عند المتكلم المستدل بها فلا قيمة لها.

ولو كان هذا الكلام يفهم على هذا الوجه لما صح في الدنيا علم، ولما استطاع إنسان أن يستدل على شيء أصلا؛ لأنه لا توجد مسألة إلا ويمكن أن يورد فيها هذا الكلام.

فأهل العلم حينما يقولون: (عدم العلم ليس علما بالعدم) يعنون مثلا أن ينفي أحد العلماء ورود حديث معين ويثبته آخر، أو أن يجهل بعضهم حكما من أحكام الشرع ويعرفه آخر، ولا يعنون بذلك أن شيئا من الأحكام أو النصوص أو الأقوال الصحيحة يمكن أن يخفى على الأمة جمعاء.

بل معنى الكلام أن عدم علمك أنت أو عدم علمي أنا ليس علما بعدم ذلك الأمر في الوجود.

أما عدم علم الأمة جميعا فهو علم صحيح بعدم ذلك، وهذا المعنى بعينه صرح به الإمام الشافعي رحمه الله، فدل ذلك دلالة واضحة على أن الكلام الذي نقلتَه عنه لا يعني ما فهمته؛ لأنه لن يخالف نفسه في هذه المسائل الواضحة.

والجمع بين أقوال أهل العلم أولى من ضرب بعضه ببعض وادعاء التناقض والتخالف فيه.

وكثيرا ما يخفى على بعض أهل اللغة شيء من اللغة ويحكم بخطئه لأنه لم يبلغه، ويكون قد بلغ غيره من أهل اللغة، فحينئذ نحن نأخذ بقول الذي معه زيادة علم، وحينئذ نقول: ليس عدم العلم علما بالعدم.

أما إذا لم يخالفه أحد من نقلة اللغة الآخرين، فحينئذ لا يقول عاقل: إن كلامه غير مقبول، وإن عدم العلم ليس علما بالعدم.

فهذا خلط واضح بين المقامين.

نعم ليس علما بالعدم، ولكن أين العلم بما يخالفه حتى يقدم عليه؟

وكذلك إذا جاء أحد المحدثين الحفاظ النقاد المتقنين كابن معين وأبي حاتم وأبي زرعة والدارقطني وغيرهم فحكم على حديث معين بأنه غير محفوظ أنه أنه وهم أو خطأ، أو أنه لم يرد أو نحو ذلك، فإننا ننظر فإن وجدنا من يخالفه من أهل العلم فقد يترجح للناظر أن من خالفه معه زيادة علم تقتضي القبول.

ولكن ماذا نفعل إذا لم نجد أحدا يخالفه؟ هل يقول أحد عاقل عارف بطرائق أهل العلم: إن عدم علم أبي حاتم ليس علما بالعدم؟ وما يدريك يا ابن معين أن هذا أخطأ أو ذاك وهم؟ لعله ورد من طريق لم يصلك؟ وعدم النقل ليس نقلا للعدم!!!!!

هذا الكلام من المؤكد أنه كلام باطل، بل هو من تمويه الجهلة السفهاء الذين هم دخلاء على العلوم، وليس شيء أضر على العلوم وأهلها من الدخلاء فيها، فهم يفسدون ويحسبون أنهم يصلحون!

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير