وقد حدد المالكية والشافعية أن الإقامة أقل من أربعة أيام لا تمنعه من الرخصة لحديث:" يقيم المهاجر بعد قضاء منسكه ثلاثا"، وحده الحنابلة في المشهور عنهم إلى أنه إن أقام عشرين فرضا فإنه يترخص فإن زاد فرضا أتم واستدلوا بقصره صلى الله عليه وسلم في مكة وأنه أقام أربعة أيام، وحده الحنفية بخمسة عشر يوما. فالتحديد مذهب الجمهور.
6 - وفيه أنه إن لم ينو إقامة ولم يعلم متى يذهب سواء غلب على ظنه قضاء الحاجة في مدة يسيرة أو طويلة، واحتمل انقضاؤها في المدة التي لا تقطع حكم السفر مما تقدم في المسألة السابقة؛ فإنه يترخص رخص السفر- وهذا مذهب الحنفية والمالكية والحنابلة وقول عند الشافعية.
قوله تعالى:"فعدة من أيام أخر" التقدير: فأفطر، كما في قوله تعالى:" فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية .. "، تقديره: فحلق ففدية. قال ابن العربي: وهو من لطيف الفصاحة.
1 - فليس في الآية على هذا التأويل عدم صحة صوم المسافر لثبوت صومه صلى الله عليه وسلم في السفر. ولكن قد يكون فيها إيماء إلى استحباب الفطر لمن لا يشق عليه الصوم، فالفطر رخصة، وهو مذهب الحنابلة ورجحه شبخ الإسلام وتلميذه ابن القيم واللجنة الدائمة والشيخ ابن باز.
وذهب الأئمة الثلاثة إلى أ، الصوم أفضل لحديث أبي الدرداء رضي الله عنه وفيه:" وما فينا صائم إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعبدالله بن رواحة" متفق عليه، ولا يفعل النبي صلى الله عليه وسلم إلا الأفضل، ورجحه ابن عثيمين.
وذهب عمر بن عبدالعزيز وغيره إلى أن الأفضل الأيسر للمسافر لعموم أدلة التيسير.
2 - وفيه دليل على عدم وجوب التتابع وإنما هو مستحب وهو قول الأئمة الأربعة، وأما ما أخرجه الدارقطني عن عائشة رضي الله عنها اقلت: نزلت " فعد من أيام أخر متتابعات"، فسقطت " متتابعات" قال الدارقطني" إسناده صحيح. وحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال قال صلى الله عليه وسلم:" من كان عليه صوم من رمضان فليسرده ولا يقطعه" فمحمولان على الاستحباب إن ثبتا.
3 - وفيه دليل على أن أهل البلد إذا صاموا تسعة وعشرين يوما وثمة معذور لم يصم معهم فإنه يقضيه تسعة وعشرين يوما وهو قول الحمهور.
4 - وفيه دليل لمن أجاز صوم النافلة قبل قضاء الفرض لقوله تعالى:" فعدة" وهي نكرة واقعة في جواب الشرط، وهو مذهب الحنفية ورواية عند الحنابلة.
5 - وفيه دليل لمن لم يوجب الكفارة على من أخر القضاء لغير عذر إلى رمضان آخر، وهو مذهب الحنفية. وذهب الجمهور إلى لزوم الكفارة لثبوت ذلك عن ابن عباس وأبي هريرة رضي الله عنهما ولم يعلم لهما مخالف من الصحابة. وقد قال يحي بن أكثم: لا أعلم لهم مخالفا. ورجح البخاري قول الحنفية فقال: ولم يذكر الله الإطعام، إنما قال: فعدة من أيام أخر".
6 - وفيه أن القضاء دين على من ترخص فأفطر، فإن مات قبل القضاء فله ثلاث حالات:
الأولى: أن يموت قبل تمكنه من القضاء فلا شيء عليه ولا يلزم الورثة شيء.
الثانية: أن يموت مفرطا بأن تمكن من القضاء فلم يقض، فذهب الجمهور إلى أنه يطعم عنه من تركته ولا يصام عنه ورجحه شيخ الإسلام وتلميذه ابن القيم. وقال داوود وبعض الشافعية إلى أن الأولياء يخيرون بين الصوم والإطعام من تركته لعموم أحاديث القضاء. وقال الشيخ ابن باز رحمه الله: يشرع لبعض أقاربه أن يصوموا عنه.
قوله تعالى:" وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين" ذهب الجمهور إلى أنها منسوخة وأن هذا كان في أول الإسلام، وهو قول سلمة بن الأكوع وابن عمر ومعاذ رضي الله عنهم. وذهب ابن عباس رضي الله عنهما إلى أنها محكمة فيمن يستطيع الصوم بكلفة ومشقة كالكبير والمريض، وقرأ ابن عباس رضي الله عنهما:" يُطَوَّقونه" بمعنى يتكلفونه. وعلى قراءته فإن في الآية:
1 - لزوم الفدية على من كان مريضا ولا يرجى برؤه أو كبيرا- وهو قول الجمهور، لهذه القراءة، وفعل أنس رضي الله عنه.
2 - ومثل الكبير: الحامل والمرضع إن خافتا على نفسيهما، قال ابن عباس رضي الله عنهما في الآية:" كانت رخصة للشيخ الكبير والمرأة الكبيرة وهما يطيقان الصيام أن يفطرا ويطعما مكان كل يوم مسكينا، والمرضع والحبلى إذا خافتا على أولادهما أفطرتا وأطعمتا"، ولم يذكر القضاء لأنه أمر معلوم.
3 - وفيها أن الفدية تكون طعاما فلا يجزئ غير الطعام.
¥