فيه أن دعوة المؤمن مستجابة، وتتمثل صور الإجابة فيأمور ثلاثة كما قال صلى الله عليه وسلم:" ما من مسلم يدعو الله بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث خصال: إما أن يعجل له دعوته وإما أن يدخر له في الآخرة وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها".
وفيه إيماء إلى أن الدعاء في رمضان وفي حال الصيام أدعى للإجابة.
قوله تعالى:"أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم هن لباس لكم وأنتم لباس لهن علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم وعفا عنكم فالآن باشروهن .. "
فيه الإذن بمباشرة الرجل لأهله ليلة الصيام وبدلالة المفهوم فإن فيه تحريم مباشرتها حال الصوم.
قوله تعالى:" وابتغوا ما كتب الله لكم"
1 - فيه مشروعية النية الصالحة عند فعل المباحات، قال ابن سعدي رحمه الله:" انووا بمباشرتكم لزوجاتكم التقرب إلى الله تعالى، والمقصود الأعظم من الوطء وهو حصول الذرية وإعفاف فرجه وفرج زوجته وحصول مقاصد النكاح".
2 - ومما كتبه الله لنا ليلة القدر، قال ابن القيم رحمه الله:" فكأنه سبحانه يقول: اقضوا وطركم من نسائكم ليلة الصيام ولا يشغلكم ذلك عن ابتغاء ما كتب لكم من هذه الليلة التي فضلكم بها والله أعلم".
قوله تعالى:"وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل"
1 - فيه التنبيه إلى رؤووس مسائل مفسدات الصوم وهي المباشرة والأكل والشرب وما في معناها.
2 - وفيه النهي عن مقدمات النكاح، قال الزجاج:" الرفث كلمة جامعة لكل ما يريد الرجل من امرأته"، وفي الحديث القدسي:" يدع طعامه وشرابه وشهوته من أجلي"، فكل ما يجلب الشهوة فيدخل في النهي. ورخص بعض أهل العلم للكبير الذي لا تحرك المباشرة شهوته مستدلين بحديث عائشة رضي الله عنها قالت:" كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل وهو صائم ويباشر وهو صائم ولكنه كان أملككم لإربه. متفق عليه، وصح في السنن أن ابن عباس رضي الله عنهما نهى شابا عن القبلة حال الصوم وقد ورد عنه أنه قال:" رخص للكبير الصائم في المباشرة وكره للشاب".
3 - وفي قوله سبحانه:" حتى يتبين" قال السعدي رحمه الله:" فيه أنه إذا أكل شاكا في طلوع الفجر فلا بأس عليه".
4 - و قال رحمه الله:" وفيه دليل على استحباب تأخير السحور أخذا بالرخصة".
5 - وقال رحمه الله:" وفيه جواز أن يدركه الفجر وهو جنب لأن لازم إباحة الجماع إلى طلوع الفجر أن يدركه الفجر وهو جنب ولازم الحق حق".
قوله تعالى:" ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد" فيه من الأحكام:
1 - استثناء إباحة المباشة للمعتكف وأنه من محظورات الاعتكاف، قال ابن عبدالبر رحمه الله:" وأجمعوا على أن المعتكف لا يباشر ولا يقبل". وصح عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال:" إذا جامع المعتكف بطل اعتكافه".
2 - وفيه أن كل لزوم طويل عرفا للمسجد فإنه يسمى اعتكافا ولو ساعة، واختار الشافعي أن أقل الاعتكاف لحظة.
3 - وفيه مشروعية الاعتكاف وأنه لا يكون إلا في مسجد، حكاه ابن عبدالبر إجماعا. وأما المرأة فأجاز أبو حنيفة لها أن تعتكف في مسجد بيتها ومنعه الجمهور لعدم نقله عن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهن من الصحابيات.
4 - ويؤخذ من قوله تعالى:" عاكفون" كراهة صرف المعتكف وقته في غير عبادة في المسجد فيشتغل بالقراءة والذكر.
5 - واستدل بعض العلماء بسياق مجيء الاعتكاف في آيات الصيام أنه لا يصح الاعتكاف إلا بصيام، وهو مذهب أبي حنيفة ومالك، ورجحه شيخ الإسلام وتلميذه ابن القيم رحمهما الله. قال ابن القيم:" ولما كان المقصود إنما يتم مع الصوم، شرع الاعتكاف في أفضل أيام الصوم، وهو العشر الأخير من رمضان. ولم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه اعتكف مفطرا قط بل قالت عائشة رضي الله عنها:" لا اعتكاف إلا بصوم"، ولم يذكر الله سبحانه الاعتكاف إلا مع الصوم، ولا فعله النبي صلى الله عليه وسلم إلا مع الصوم. فالقول الراجح الدليل الذي عليه جمهور السلف أن الصوم شرط في الاعتكاف وهو الذي كان يرجحه شيخ الإسلام أبو العباس ابن تيمية قدس الله روحه". ومذهب أحمد والشافعي صحته بلا صوم لحديث عمر وفيه أنه صام في الليل وليس الليل وقتا للصوم، ولثبوت أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتكف في شوال ولم ينقل أنه صام وقت اعتكافه، وأما حديث عائشة
¥