تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

أما إذا كان بالسماء غيم ليلة الثلاثين: فجمهور الفقهاء يرون إكمال العدة ثلاثين؛ عملا بحديث: (فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين)، وبهذا تفسر الرواية الأخرى الواردة بلفظ: (فاقدروا له). وذهب الإمام أحمد في رواية أخرى عنه، وبعض أهل العلم إلى اعتبار شعبان في حالة الغيم تسعة وعشرين يوما احتياطا لرمضان، وفسروا رواية: (فاقدروا له) بضيقوا، أخذا من قوله تعالى: سورة الطلاق الآية 7 (وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ) أي: ضيق عليه رزقه.

وهذا التفسير مردود بما صرحت به رواية الحديث الأخرى الواردة بلفظ: (فاقدروا له ثلاثين)، وفي رواية أخرى: (فأكملوا عدة شعبان ثلاثين).

وحكى النووي في شرحه على صحيح مسلم لحديث: (فإن غم عليكم فاقدروا له) عن ابن سريج وجماعة، ومنهم مطرف بن عبد الله - أي: ابن الشخير - وابن قتيبة وآخرون- اعتبار قول علماء النجوم في إثبات الشهر القمري ابتداء وانتهاء، أي: إذا كان في السماء غيم.

وقال ابن عبد البر: روي عن مطرف بن الشخير، وليس بصحيح عنه، ولو صح ما وجب اتباعه؛ لشذوذه فيه، ولمخالفة الحجة له ثم حكى عن ابن قتيبة مثله، وقال: ليس هذا من شأن ابن قتيبة، ولا هو ممن يعرج عليه في مثل هذا الباب. ثم حكى عن ابن خويز منداد أنه حكاه عن الشافعي، ثم قال ابن عبد البر: والصحيح عنه في كتبه وعند أصحابه وجمهور العلماء خلافه. انتهى.

وبهذا يتضح: أن محل الخلاف بين الفقهاء إنما هو في حال الغيم وما في معناه. وهذا كله بالنسبة للعبادات، أما بالنسبة للمعاملات فللناس أن يصطلحوا على ما شاءوا من التوقيت.

رابعا: أن المعتبر شرعا في إثبات الشهر القمري هو رؤية الهلال فقط دون حساب سير الشمس والقمر لما يأتي:

أ - أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالصوم لرؤية الهلال والإفطار لها في قوله: (صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته)، وحصر ذلك فيها بقوله: (لا تصوموا حتى تروه، ولا تفطروا حتى تروه)، وأمر المسلمين إذا كان غيم ليلة الثلاثين أن يكملوا العدة، ولم يأمر بالرجوع إلى علماء النجوم، ولو كان قولهم أصلا _ وحده أو أصلا آخر في إثبات الشهر _ لأمر بالرجوع إليهم، فدل ذلك على أنه لا اعتبار شرعا لما سوى الرؤية، أو إكمال العدة ثلاثين في إثبات الشهر، وأن هذا شرع مستمر إلى يوم القيامة، سورة مريم الآية 64 (وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا) ودعوى أن الرؤية في الحديث يراد بها العلم أو غلبة الظن _ بوجود الهلال أو إمكان رؤيته لا التعبد بنفس الرؤية _ مردودة؛ لأن الرؤية في الحديث متعدية إلى مفعول واحد، فكانت بصرية لا علمية، ولأن الصحابة فهموا أنها رؤية بالعين، وهم أعلم باللغة ومقاصد الشريعة، وجرى العمل في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وعهدهم على ذلك، ولم يرجعوا إلى علماء النجوم في التوقيت، ولا يصح أيضا أن يقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم حين قال:: (فإن غم عليكم فاقدروا له) أراد أمرنا بتقدير منازل القمر لنعلم بالحساب بدء الشهر ونهايته؛ لأن هذه الرواية فسرتها رواية: (فاقدروا له ثلاثين) وما في معناه، ومع ذلك فالذين يدعون إلى توحيد أوائل الشهور يقولون بالاعتماد على حساب المنازل في الصحو والغيم، والحديث قيد القدر له بحالة الغيم.

ب - أن تعليق إثبات الشهر القمري بالرؤية يتفق مع مقاصد الشريعة السمحة؛ لأن رؤية الهلال أمرها عام يتيسر لأكثر الناس، بخلاف ما لو علق الحكم بالحساب فإنه يحصل به الحرج ويتنافى مع مقاصد الشريعة، ودعوى زوال وصف الأمية في علم النجوم عن الأمة لو سلمت لا يغير حكم الشرع في ذلك.

ج - أن علماء الأمة في صدر الإسلام قد أجمعوا على اعتبار الرؤية في إثبات الشهور القمرية دون الحساب، فلم يعرف أن أحدا منهم رجع إليه في ذلك عند الغيم ونحوه، أما عند الصحو فلم يعرف عن أحد من أهل العلم أنه عول على الحساب في إثبات الأهلة أو علق الحكم العام به.

خامسا: تقدير المدة التي يمكن معها رؤية الهلال بعد غروب الشمس لولا المانع من الأمور الاعتبارية الاجتهادية التي تختلف فيها أنظار أهل الحساب، وكذا تقدير المانع، فالاعتماد على ذلك في توقيت العبادات لا يحقق الوحدة المنشودة؛ ولهذا جاء الشرع باعتبار الرؤية فقط دون الحساب.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير