تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وذهب المالكية إلى التفرقة بين الفرض والنفل، فرأوا كراهة قراءة المصلي في المصحف في صلاة الفرض مطلقًا سواء كانت القراءة في الأول أو في الأثناء؛ وكذلك يكره في النافلة إذا بدأ في أثنائها؛ لاشتغاله غالبا، ويجوز ذلك في النافلة إذا ابتدأ القراءة في المصحف من غير كراهة ; لأنه يغتفر فيها ما لا يغتفر في الفرض ([36]).

وجاء في المدونة: قال ابن القاسم: قلت لمالك في الرجل يصلي النافلة يشك في الحرف وهو يقرأ وبين يديه مصحف منشور , أينظر في المصحف ليعرف ذلك الحرف؟ فقال: لا ينظر في ذلك الحرف ولكن يتم صلاته ثم ينظر في ذلك الحرف. قال: وقال مالك: لا بأس بقيام الإمام بالناس , في رمضان في المصحف. قلت لابن القاسم: لم وسع مالك في هذا وكره للذي ينظر في الحرف؟ قال ; لأن هذا ابتدأ النظر في أول ما قام به. قال: وقال مالك: لا بأس بأن يؤم الإمام بالناس في المصحف في رمضان وفي النافلة. قال ابن القاسم: وكره ذلك في الفريضة ([37]).

وهذا الذي قرره المالكية من الكراهة يتأتى إذا كان العمل في حد العبث، الذي هو اللعب وعمل ما لا فائدة فيه، فيكره للمصلي حينئذ أن يشتغل به؛ لما فيه من منافاة للخشوع، أما القراءة من المصحف في الصلاة فليست من هذا الباب بل هي عمل يسير يفعله المصلي لحاجة مقصودة، وكل ما كان من هذا الباب فلا بأس أن يأتي به؛ وأصل ذلك ما ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم خلع نعليه في الصلاة لما أوحي إليه أن فيهما قذرًا ([38]).

وذهب الصاحبان من الحنفية أبو يوسف القاضي ومحمد بن الحسن الشيباني إلى أن القراءة من المصحف في الصلاة مكروهة مطلقًا سواء في ذلك الفرض والنفل، ولكنها لا تُفْسِد الصلاة؛ لأنها عبادة انضافت إلى عبادة، ووجه الكراهة أنها تشبه بصنيع أهل الكتاب ([39]).

ويناقش ذلك بأن حصول ما يشبه صنيع أهل الكتاب يكون ممنوعًا إذا كان الفاعل قاصدًا لحصول الشبه؛ لأن التشبه: تَفَعُّل، وهذه المادة تدل على انعقاد النية و التوجه إلى قصد الفعل ومعاناته، ومن الأصول الشرعية اعتبار قصد المكلف، ويدل على ذلك أيضًا ما رواه جابر رضي الله عنه قال: اشتكى رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلينا وراءه وهو قاعد فالتفت إلينا فرآنا قيامًا فأشار إلينا فقعدنا فلما سَلَّم قال: إن كدتم آنفًا لتفعلون فعل فارس والروم يقومون على ملوكهم وهم قعود، فلا تفعلوا، ائتموا بأئمتكم إن صلى قائمًا فصلوا قيامًا، وإن صلى قاعدًا فصلوا قعودًا ([40])، وكاد تدل في الإثبات على انتفاء خبرها مع مقاربة وقوعه، وفعل فارس والروم وقع منهم فعلا لكن الصحابة لما لم يقصدوا التشبه انتفى ذلك الوصف عنهم شرعًا، والمصلى الذي يقرأ من المصحف لا يخطر بباله التشبه بهم فضلا عن قصده ([41]).

قال ابن نجيم: "اعلم أن التشبيه بأهل الكتاب لا يكره في كل شيء، وإنا نأكل ونشرب كما يفعلون، إنما الحرام هو التشبه فيما كان مذمومًا وفيما يقصد به التشبيه، فعلى هذا لو لم يقصد التشبه لا يكره عندهما" اهـ ([42]).

وبناءً على جميع ما سبق يثبت ما قررنا من أن القراءة من المصحف في صلاة الفرض والنفل صحيحة وجائزة شرعًا ولا كراهة فيها فضلا عن أن تكون مفسدة للصلاة، والله تعالى أعلم.


([1]) متفق عليه: رواه البخاري (5111)، ومسلم (797).

([2]) رواه الترمذي (2910)، وقال: حديث صحيح غريب.

([3]) يراجع في تفصيل ذلك كتاب التبيان في آداب حملة القرآن للإمام النووي.

([4]) علقه البخاري في صحيحه بصيغة الجزم عن عائشة-باب إمامة العبد والمولى، ووصله البيهقي في سننه 2/ 253، وابن أبي شيبة في مصنفه 2/ 235، قال الحافظ ابن حجر في تغليق التعليق 2/ 291: "هو أثر صحيح".

([5]) المدونة الكبرى 1/ 288، 289، المغني 1/ 335.

([6]) إحياء علوم الدين 1/ 229.

([7]) المغني 1/ 336.

([8]) المغني 1/ 336.

([9]) المجموع 4/ 27.

([10]) كشاف القناع عن متن الإقناع للبهوتي 1/ 384.

([11]) متفق عليه: رواه البخاري (1140)، ومسلم (837).

([12]) المحلى 2/ 365، 3/ 141.

([13]) متفق عليه: رواه البخاري (494)، ومسلم (543).

([14]) متفق عليه: رواه البخاري (135)، و مسلم (763).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير