قياس أو قاعدة من قواعد الشرع يوجب وصول أحدهما ويمنع وصول الآخر.
9 / إن الثواب حق للعامل فإذا وهبه لأخيه المسلم لم يمنع من ذلك كما لم يمنع من هبة ماله في حياته وإبرائه له من بعد موته.
10 / أن الصوم نية محضة وكف النفس عن المفطرات وقد أوصل الله ثوابه إلى الميت فكيف بالقراءة التي هي عمل ونية بل لا تفتقر إلى النية فوصول ثواب الصوم إلى الميت فيه تنبيه على وصول سائر الأعمال.
11 / أن العبادات قسمان مالية وبدنية وقد نبه الشارع بوصول ثواب الصدقة على وصول ثواب سائر العبادات المالية ونبه بوصول ثواب الصوم على وصول ثواب سائر العبادات البدنية وأخبر بوصول ثواب الحج المركب من المالية والبدنية فالأنواع الثلاثة ثابتة بالنص والاعتبار.
واستدل أصحاب القول الثاني بأدلة:
أقوى أدلتهم قول الله تعالى: (وأن ليس للإنسان إلا ما سعى) وقوله: (ولا تجزون إلا ما كنتم تعملون) وقوله: (لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت)
وأجيب عنها بأجوبة:
أ / أن المراد بالإنسان ها هنا الكافر وأما المؤمن فله ما سعى وما سعى له بالأدلة التي ذكرناها قالوا وغاية ما في هذا التخصيص وهو جائز إذا دل عليه الدليل.
وهذا الجواب ضعيف جدا ومثل هذا العام لا يراد به الكافر وحده بل هو للمسلم والكافر.
ب / أنه إخبار بشرع من قبلنا وقد دل شرعنا على أنه له ما سعى وما سعى له وهذا أيضا أضعف من الأول أو من جنسه فان الله سبحانه أخبر بذلك إخبار مقرر له محتج به لا إخبار مبطل له.
ج / اللام بمعنى على أي وليس على الإنسان إلا ما سعى وهذا أبطل من القولين الأولين فإنه قول موضوع الكلام إلى ضد معناه المفهوم منه ولا يسوغ مثل هذا ولا تحتمله اللغة.
د / أن في الكلام حذف تقديره وان ليس للإنسان إلا ما سعى أو سعى له وهذا أيضا من النمط الأول فإنه حذف مالا يدل السياق عليه بوجه وقول على الله وكتابه بلا علم.
هـ / أن الآية منسوخة بقوله تعالى والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم وهذا منقول عن ابن عباس رضى الله عنهما وهذا ضعيف أيضا.
و / المراد بالإنسان ها هنا الحي دون الميت وهذا أيضا ضعيف وتخصيص بلا دليل.
ز / وهو جواب أبى الوفاء بن عقيل قال الجواب الجيد عندي إن يقال الإنسان بسعيه وحسن عشرته اكتسب الأصدقاء وأولد الأولاد ونكح الأزواج وأسدى الخير وتودد إلى الناس فترحموا عليه وأهدوا له العبادات وكان ذلك أثر سعيه كما قال إن أطيب ما أكل الرجل من كسبه وان ولده من كسبه ويدل عليه قوله في الحديث الآخر إذا مات العبد انقطع عمله إلا من ثلاث علم ينتفع به من بعده وصدقة جارية عليه أو ولد صالح يدعو له ومن هنا قول الشافعي إذا بذل له ولده طاعة الحج كان ذلك سببا لوجوب الحج عليه حتى كأنه في ماله زاد وراحلة بخلاف بذل الأجنبي
ح / أن القرآن لم ينف انتفاع الرجل بسعي غيره وإنما نفي ملكه لغير سعيه وبين الأمرين من الفرق مالا يخفي فأخبر تعالى أنه لا يملك إلا سعيه وأما سعى غيره فهو ملك لساعيه فإن شاء أن يبذله لغيره وإن شاء أن يبقيه لنفسه وهو سبحانه لم يقل لا ينتفع إلا بما سعى وهذا جواب ابن تيمية.
ومن أدلتهم أيضا:
1 / حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إذا مات العبد انقطع عمله إلا من ثلاث صدقة جارية عليه أو ولد صالح يدعو له أو علم ينتفع به من بعد " فأخبر أنه إنما ينتفع بما كان تسبب إليه في الحياة وما لم يكن قد تسبب إليه فهو منقطع عنه.
2/ أن الإهداء حوالة والحوالة إنما تكون بحق لازم والأعمال لا توجب الثواب وإنما هو مجرد تفضل الله وإحسانه فكيف يحيل العبد على مجرد الفضل الذي لا يجب على الله بل إن شاء آتاه وإن لم يشأ لم يؤته وهو نظير حوالة الفقير على من يرجو أن يتصدق عليه ومثل هذا لا يصح إهداؤه وهبته كصلة ترجى من ملك لا لتحقق حصوله.
3 / أن الإيثار بأسباب الثواب مكروه وهو الإيثار بالقرب فكيف الإيثار بنفس الثواب الذي هو غاية إذا كره الإيثار بالوسيلة فالغاية أولى وأحرى.
4 / أنه يلزم على هذا لوازم منها:
أ / لو ساغ الإهداء إلى الميت لساغ نقل الثواب والإهداء إلى الحي.
ب / لو ساغ ذلك لساغ لهذا نصف الثواب وربعه وقيراط منه.
¥