تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وقد أجبنا عن الأول بأن الحديث ليس لبيان أصل مشروعية القتال؛ فإن هذا مبيَّنٌ في قوله تعالى:] أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا ... [(الحج: 39) الآيات وقوله:] وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُوا ... [(البقرة: 190) الآيات، بل هو لبيان غايته؛ إذ الغرض منه بيان أن قول: (لا إله إلا الله) كافٍ في حقن الدم، حتى في أثناء القتال، وإن لم يكن القائل من المشركين معتقدًا في الباطن؛ لأن الأمر في ذلك مبنيّ على الظاهر إلخ.

وأجبنا عن الثاني بأن المرتد من مشركي العرب كان يعود إلى محاربة المسلمين، وأن بعض اليهود كان يصدّ الناس عن الإسلام بإظهار الدخول فيه، ثم بإظهار الارتداد عنه ليُقبَلَ قوله بالطعن فيه، وذكرنا ما حكاه الله عنهم في هذا، وقلنا: فالظاهر أن الأمر في الحديث بقتل المرتد كان لمنع المشركين وكيد الماكرين من اليهود، فهو لأسبابٍ قضت بها سياسة ذلك العصر التي تسمى في عرف أهل عصرنا سياسة عُرفية عسكرية لا لاضطهاد بعض الناس في دينهم، ألم تَرَ أن بعض المسلمين أرادوا أن يكرهوا أولادهم المتهوِّدين على الإسلام، فمنعهم النبي - صلى الله عليه وسلم - بوحي من الله عن ذلك، حتى عند جلاء بني النضير، والإسلام في أوج قوته، وفي ذلك نزلت آية:] لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ [(البقرة: 256)، وأزيد هنا ما كنت ذكرته في تفسير هذه الآية، وهو أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر بتخيير أولئك المتهودين، فمَن اختار الإسلام بقي مع أهله المسلمين، وكان منهم ومَن اختار اليهودية جلا مع أهل دينه من اليهود وهو منهم، وراجع تفسير الآية وكلام الأستاذ الإمام فيها (ص 36، ج 3 تفسير).

وقد أعدت ذكر هذه المسألة في تفسير] وَقَالَت طَّائِفَةٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ [(آل عمران: 72).

فمما ذكر يعلم السائل جواب سؤاله، ومأخذ الفقهاء في قتل المرتد - وهو الحديث الذي أخذوه على إطلاقه - والجمع بين الحديثين اللذين ذكرهما وبين قاعدة التسامح والحرية في الإسلام.

وأما قوله تعالى:] فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ ... [(التوبة: 5) إلخ، فهو يعلم أنه نزل في نبذ عهود الذين نكثوا العهد من المشركين، وأنهم أعطوا في الآية الأولى مِن هذه السورة (التوبة) مهلة الأربعة الأشهر الحرم وهي: شوال، وذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم، ثم قال:] فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ ... [(التوبة: 5) إلخ، ومن الضروري أن يُستثنى من ذلك مَن يتوب منهم عن الشرك، ويدخل في الإسلام، ألا تراه استثنى مَن حافظوا على عهدهم من المشركين، فقال:] إِلاَّ الَّذِينَ عَاهَدتُّمْ عِندَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ [(التوبة: 7)، ثم ألا ترى كيف علل قتال الناكثين بقوله:] كَيْفَ وَإِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لاَ يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً ... [(التوبة: 8) إلخ، وفيها التصريح بأنهم هم المعتدون، وأنهم لا أَيْمانَ لهم، أي لا عهود لهم تُحفظ، بل يجعلونها خداعًا في وقت الضعف، ثم قال - في هذا التعليل -:] أَلاَ تُقَاتِلُونَ قَوْماً نَّكَثُوا أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُم بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ [(التوبة: 13).

والفقهاء الذين يقولون بقتل المرتد اختلفوا في بعض مسائله، كالمرتد ذي المَنَعَة في قومه وغيره، وقال أبو حنيفة: (لا تُقتل المرأة)، وقد قال الشيخ صالح اليافعي في رده على الدكتور محمد توفيق صدقي (رحمه الله تعالى) ما نصه:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير