إذا عرفنا هذا فنقول: الكفاءة في خمسة أشياء (أحدها) النسب , وهو على ما قال: قريش أكفاء بعضها لبعض فإنهم فيما بينهم يتفاضلون , وأفضلهم بنو هاشم , ومع التفاضل هم أكفاء ألا ترى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج عائشة رضي الله تعالى عنها , وكانت تيمية وتزوج حفصة رضي الله تعالى عنها وكانت عدوية {وزوج ابنته من عثمان رضي الله عنه وكان عبشميا} فعرفنا أن بعضهم أكفاء لبعض. وروي عن محمد رحمه الله تعالى أنه قال: إلا أن يكون نسبا مشهورا نحو أهل بيت الخلافة فإن غيرهم لا يكافئهم , وكأنه قال ذلك ; لتسكين الفتنة وتعظيم الخلافة , لا لانعدام أصل الكفاءة , والعرب بعضهم أكفاء لبعض فإن فضيلة العرب بكون رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم , ونزول القرآن بلغتهم , وقال صلى الله عليه وسلم {: حب العرب من الإيمان} (
{, وقال صلى الله عليه وسلم لسلمان رضي الله تعالى عنه لا تبغضني قال: وكيف أبغضك , وقد هداني الله بك؟ قال: تبغض العرب فتبغضني} (ضعيف)
, ولا تكون العرب كفؤا لقريش والموالي لا يكونون كفؤا للعرب كما قال صلى الله عليه وسلم {: والموالي بعضهم أكفاء لبعض} , وهذا لأن الموالي ضيعوا أنسابهم فلا يكون التفاخر بينهم بالنسب بل بالدين كما أشار إليه سلمان رضي الله تعالى عنه حين تفاخر جماعة من الصحابة بذكر الأنساب فلما انتهى إلى سلمان رضي الله تعالى عنه قالوا: سلمان ابن من؟ فقال سلمان: ابن الإسلام فبلغ عمر رضي الله تعالى عنه فبكى , وقال وعمر ابن الإسلام فمن كان من الموالي له أبوان في الإسلام فهو كفؤ لمن له عشرة آباء ; لأن النسبة تتم بالانتساب إلى الأب والجد فمن كان له أبوان مسلمان فله في الإسلام نسب صحيح ومن أسلم بنفسه لا يكون كفؤا ; لمن له أب في الإسلام ومن أسلم أبوه لا يكون كفؤا لمن له أبوان في الإسلام ; لأن هذا يحتاج في النسبة إلى الأب الكافر , وذلك منهي عنه ; لما روي {أن رجلا انتسب إلى تسعة آباء في الجاهلية فقال صلى الله عليه وسلم: هو عاشرهم في النار} ولكن هذا إذا كان على سبيل التفاخر دون التعريف
قال ابن العربي المالكي في أحكام القرآن
المسألة الثانية والعشرون: قد بينا في مسائل الفقه أن الكفاءة معتبرة في النكاح. واختلف علماؤنا فيها ; هل هي في الدين والمال والحسب , أو في بعضها؟
وحققنا جواز نكاح الموالي للعربيات وللقرشيات , وأن المعول على قول الله تعالى: {إن أكرمكم عند الله أتقاكم}. وقد جاء موسى إلى صالح مدين غريبا طريدا , وحيدا جائعا عريانا , فأنكحه ابنته لما تحقق من دينه , ورأى من حاله , وأعرض عما سوى ذلك. ولا خلاف في إنكاح الأب ; وإنما الخلاف في اعتبار الكفاءة في إنكاح غير الأب من الأولياء , إلا أن يطرحها الأب في عار يلحق القبيل , ففيه خلاف , وتفصيل عريض طويل بيناه في مسائل الخلاف والفروع , فلينظر هنالك.
قال الكاساني الحنفي في بدائع الصنائع
(فصل): ومنها كفاءة الزوج في إنكاح المرأة الحرة البالغة العاقلة نفسها من غير رضا الأولياء بمهر مثلها , فيقع الكلام في هذا الشرط في أربعة مواضع:. أحدها: في بيان أن الكفاءة في باب النكاح هل هي شرط لزوم النكاح في الجملة؟ أم لا؟. والثاني: في بيان النكاح الذي الكفاءة من شرط لزومه , والثالث: في بيان ما تعتبر فيه الكفاءة , والرابع: في بيان من يعتبر له الكفاءة , أما الأول: فقد قال عامة العلماء: أنها شرط. وقال الكرخي: ليست بشرط أصلا , وهو قول مالك , وسفيان الثوري , والحسن البصري , واحتجوا بما روي {أن أبا طيبة خطب إلى بني بياضة , فأبوا أن يزوجوه فقال رسول الله: صلى الله عليه وسلم أنكحوا أبا طيبة إن لا تفعلوا تكن فتنة في الأرض , وفساد كبير}. وروي أن {بلالا رضي الله عنه خطب إلى قوم من الأنصار , فأبوا أن يزوجوه , فقال له رسول الله: صلى الله عليه وسلم قل لهم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمركم أن تزوجوني} أمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتزويج عند عدم الكفاءة. ولو كانت معتبرة لما أمر ; لأن التزويج من غير كفء غير مأمور به. {وقال: صلى الله عليه وسلم ليس لعربي على عجمي , فضل إلا بالتقوى} , وهذا نص ; ولأن الكفاءة لو كانت معتبرة في الشرع لكان أولى الأبواب بالاعتبار بها باب الدماء
¥