قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في ((فتح الباري)) (10/ 77): قال القرطبي: النهي عن الخليطين ظاهر في التحريم، وهو قول جمهور فقهاء الأمصار، وعن مالك يكره فقط، وشذ من قال: لا باس به؛ لأن كلا منهما يحل منفرداً، فلا يكره مجتمعاً قال: وهذه مخالفة للنص، وقياس مع وجود الفارق فهو فاسد من وجهين، ثم هو منتقض بجواز كل واحدة من الأختين منفردة، وتحريمهما مجتمعتين قال: وأعجب من ذلك تأويل من قال منهم: إن النهي إنما هو من باب السرف.
قال: وهذا تبديل لا تأويل، ويشهد ببطلانه الأحاديث الصحيحة. قال: وتسمية الشراب إداماً قول من ذهل عن الشرع واللغة والعرف.
قال: والذي يفهم من الأحاديث التعليل بخوف إسراع الشدة بالخلط، وعلى هذا يقتصر في النهي عن الخلط على ما يؤثر في الإسراع.
< ub> وأما العلة الثانية:< u0> فقد قال بها الأحناف رحمهم الله.
قال السرخسي في ((المبسوط)) (12/ 6): وتأويل ذلك عندنا أن ذلك كان في زمان الجدب كره للأغنياء الجمع بين النعمتين، ولما جاز اتخاذ الشراب من كل واحد منهما بانفراده جاز الجمع بينهما.
قال ابن حجر رحمه الله في ((الفتح)): وقد نصر الطحاوي من حمل النهي عن الخليطين على منع السرف، فقال: كان ذلك لما كانوا فيه من ضيق العيش.
< ub> وأما العلة الثالثة:< u0> وهي سد الذريعة. فقد قال بها بعض العلماء كالشاطبي، وابن القيم رحمهما الله.
قال الشاطبي رحمه الله في ((الموافقات)) (2/ 362): فقد نهى النبي صلعم عن الخليطين، وعن النبيذ بعد ثلاث، وعن الانتباذ في الأوعية، وبيَّن النبي صلعم أنه إنما نهى عن بعض ذلك؛ لئلا يتخذ ذريعة. فقال:< ub>(( لو رخصت لكم في هذه، لا وشك أن تجعلوها مثل هذه)) < u0>، يعني أن النفوس لا تقف عند هذا الحد المباح في مثل هذا، ووقوع المفسدة في هذه الأمور ليسب بغالبة في العادة، وإن كثر وقوعها.
وقال ابن القيم رحمه الله في ((إعلام الموقعين)) (3/ 139): ثم بالغ في سد الذريعة، فنهى عن الخليطين، وعن شرب العصير بعد ثلاث، وعن الانتباذ في الأوعية التي قد يتخمر فيها النبيذ ولا يعلم به حسماً لمادة قربان المسكر.
< uc> المبحث الخامس
< uc> أقوال أهل العلم
< ub> القول الأول: تحريم الجمع بين الخليطين < u0> ولم يجعلوه معلولاً بالإسكار ذهب إلى هذا الرأي عطاء وطاووس، وإسحاق وعامة أهل الحديث، وهو رواية عن مالك وكذا هو رواية عن أحمد ونص عليه، ونص عليه الشافعي أيضاً وهو مذهب ابن حزم الظاهري رحمه الله، ونقله ابن العربي عن أكثر الشافعية أدلتهم ما سبق من الأحاديث الواردة في النهي عن الجمع بين الخليطين.
< ub> القول الثاني: الجواز< u0> ، وهو مذهب إبراهيم النخعي، وأبو حنيفة والثوري، وأبو يوسف وعامة أصحاب الر أي من أهل الكوفة، وأدلتهم ما سبق من الأحاديث التي تدل على جواز الجمع بين الخليطين.
< ub> القول الثالث: الكراهة التنزيهية< u0> وهي الرواة الأخرى عن مالك، وكذا الرواية الثانية عن الإمام أحمد، واختارها أكثر أصحابه، وبهذا القول قال أكثر الشافعية رحم الله الجميع.
< ub> القول الرابع: التفصيل< u0> وصاحب هذا القول يفرق بين انتباذ الخليطين في إناء واحد مثلاً، فهذا يحمر عنده، وخص النهي بذلك، أما إذا نبذ كل واحد منهما على حده وجمعا، ثم شربا فلا باس، فخص النهي عنهما أن ينبذا جميعاً وأباحه في الشرب، وقد ذهب إلى هذا القول الليث بن سعد رحمه اله تعالى، كما نص عليه الإمام مالك رحمه الله كما في ((المدونة الكبرى))، وسيأتي.
ودليله أن النهي جاء عن أن ينبذا جميعاً؛ لأن الشدة والإسكار تسرع إليهما في انتباذهما مجموعين بخلاف لو تفرقا وشربا مخلوطين بغير انتباذ فيؤمن حيتها عدم الإسكار. نص أقوال العلماء رحمهم الله حسب المذاهب:
< ug> أولاً المذهب الحنفي: ذهب أبو حنيفة رحمه الله ومن وافقه إلى جواز الجمع بين الخليطين، وأنكر عليه جمهور العلماء كما قال النووي رحمه الله في ((شرح صحيح مسلم)) وقال أبو حنيفة وقال أبو يوسف في رواية عنه لا كراهة فيه، ولا بأس به لأن ما حل مفرداً حل مخلوطاً، وأنكر عليه الجمهور وقالوا: منابذة صاحب الشرع فقد ثبتت الأحاديث الصحيحة الصريحة في النهي عنه، فإن لم يكن حراماً كان مكروهاً.
¥